الموت الأسود
يقول شكسبير: “وكأن البلايا لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيوش”، وذلك تمامًا ما حدث مع البشرية، بدءًا من الطاعون، ثم الإنفلونزا الأسبانية، ثم حاليًا ڤيروس كورونا المستجد “covid-19”.
الطاعون -أو ما يُسمى بالموت الأسود الذي تسبب في إصابة أكثر من ٢٠٠ مليون شخص- كيف بدأ؟ كيف انتشر؟ ثم كيف اندثر؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في هذا المقال.
في منتصف القرن الرابع عشر، كان هناك نوع من البكتيريا يُسمى “yersinia pestis”، كانت توجد في القوارض مثل الفئران، ولكن ليس كل القوارض، فقط القوارض المهجورة في بحيرات جنوب شرق آسيا؛ حدثت هزة أرضية، مما أدى إلى خروج هذه القوارض من مستعمراتها، وانتشرت في دول جنوب شرق آسيا.
كيف انتقلت للإنسان؟
انتقلت للإنسان عن طريق إحدى هذه الطرق الثلاثة:
1- عن طريق الفئران التي تعض الإنسان.
2- البراغيث تعض الفئران ثم تنقل العدوى للإنسان.
3- عن طريق إنسان آخر مُصاب بالفعل.
إذن، ما هي أنواع الطاعون؟
للطاعون ثلاثة أنواع:
1- الطاعون الدبلي.
2- الطاعون التسممي.
3- الطاعون الرئوي.
أولًا: الطاعون الدبلي
هو أكثر أنواع الطاعون شيوعًا، تحدد هذه التسمية على حسب العقد الليمفاوية المصابة “Buboes”. قد تقع هذه العقد الليمفاوية في الإبط أو الرقبة، وقد تظهر أعراض أخرى، مثل صداع الرأس، أو التعب العام، أو آلام العضلات.
ثانيًا: الطاعون التسممي
يحدث عندما تتكاثر البكتيريا المسببة في مجرى الدم، ومن الأعراض التي تظهر على المريض: الحمى، والقشعريرة، وألم في البطن، والإسهال، والقيء، ونزيف من الفم أو الأنف أو المستقيم، وسواد وموت الأطراف “gangrene”، سوف نتعرف عليها في السطور القادمة من هذا المقال.
ثالثًا: الطاعون الرئوي
يؤثر الطاعون الرئوي على الرئتين، كما إنه أقل الأنواع شيوعًا، ولكنه أكثرها خطورةً؛ وذلك لأنه يمكن أن ينتقل من شخص لآخر عن طريق السعال.
وقد تشمل الأعراض السعال مع المخاط الدموي، وصعوبة في التنفس، وألم الصدر، وصداع، وارتفاع درجة الحرارة.
يتطور الطاعون الرئوي بسرعة، وقد يتسبب في تدمير الجهاز التنفسي خلال يومين من الإصابة؛ لذلك، يتطلب الطاعون الرئوي علاج بالمضادات الحيوية في غضون يوم واحد من بداية ظهور الأعراض.
لابد علينا جميعًا سواء كنا مخالطين للحيوانات ونعيش في مناطق ريفية، أو مناطق قد انتشر بها الوباء مسبقًا، أو إذا كنا نخالط أشخاص يخالطون الحيوانات، كالأطباء البيطريين، وهم أكثر الفئات المُعرَّضة للإصابة بالعدوى، أن نقي أنفسنا قدر المستطاع، بدلًا من أن نتعرض للإصابة.
الطاعون لا يزال موجودًا حتى الآن، ولكن الفرق بيننا وبين الأجيال السابقة أننا نعلم السبب، ونعرف كيف نواجهه ونقضي عليه. إذا كنت في منطقة مصابة بالطاعون وظهرت عليك الأعراض، استشر الطبيب مسرعًا؛ حيث أنه يمكن للساعات أن تحدث فرقًا في العلاج، يمكن لطبيبك إجراء تحاليل الدم والبصاق أو السوائل من الغدد الليمفاوية، للتحقق من وجود جراثيم الطاعون.
خطر الإصابة بالطاعون منخفض جدًا في جميع أنحاء العالم، إذ يُصاب بضعة آلاف فقط من الأشخاص بالطاعون كل عام؛ ومع ذلك، قد تزداد الأعداد بناءً على الموقع والمكان الذي تعيش فيه وتسافر إليه.
تفشي الطاعون يكون أكثر شيوعًا في المناطق الريفية والمكتظة بالسكان، ذات المرافق الصحية المتوسطة، والتي يوجد بها عدد كبير من القوارض. يحدث أكبر نسبة عدوى من الطاعون البشري في قارة إفريقيا، وخاصةً جزيرة مدغشقر، تأتي بعد ذلك أجزاء من آسيا وأمريكا الجنوبية. إذا كنت مصابًا بالطاعون فستدخل إلى المستشفى، وستُعطى مضادات حيوية مثل:
“Ciprofloxacin”
“Doxycycline”
“Gentamicin”
بهذه المضادات الحيوية، يُشفى معظم المصابين خلال أسبوع، ولكن بدون علاج، فإن معظم المرضى قد يتعرضون للوفاة، خصوصًا أنه حتى الآن لم يُكتشف لقاح له.
للطاعون مضاعفات عديدة قد تصل للموت، وذلك في حالة تأخر العلاج بالمضادات الحيوية، قد يحدث أيضًا غرغرينا “Gangrene”، وذلك نتيجة عدم تدفق الدم للأطراف، نتيجة تكون الجلطات الدموية التي تعيق حركة الدم للأطراف، والذي ينتج عنه تلف بعض الأنسجة، وقد تصل المضاعفات إلى البتر، وقد تصل درجة المضاعفات إلى التهاب الأغشية السحائية المحيطة بالدماغ “Meningitis”، ولكن ذلك نادرًا ما يحدث.
من أهم طرق الوقاية، تجنب الحيوانات والذباب المصابة بالمرض، وكذلك عزل الأشخاص المصابين خاصة بالطاعون الرئوي.
لقد جاء حديثنا عن الطاعون تزامنًا مع وجود أزمة الوباء العالمي ڤيروس كورونا المستجد “covid-19”، ولقد كان لنا في سيدنا عمرو بن العاص قدوة، عندما فتح مصر، وكان الطاعون قد فتك بأهل مصر في ذلك الوقت، قال رضي الله عنه لجنوده ناصحًا:
“الوباء كالنار وأنتم وقودها.. تفرقوا لتنطفئَ ويجلو مُرها”.
كتابة: أحمد عبدالفتاح
مراجعة: سارة شبل
تحرير: سعاد حسن