البيئة والطاقة

مخاطر سد النهضة الأثيوبي الكبير على مصر وتأثيره البيئي

تعتمد مصر على نهر النيل لدرجة كبيرة، بتأمين 95% من المياه اللازمة لأغراض مختلفة مثل الشرب، الاستخدامات المنزلية، الزراعة، مصدر الصيد، نقل المياه، السياحة، توليد الكهرباء من السد العالي والصناعة. على الرغم من أن سد النهضة الأثيوبي الكبير ضروري لتنمية أثيوبيا، إلا أن العديد من الأبحاث أشارت إلى تأثيره السلبي على مصر.
يعتبر نهر النيل واحدًا من أهم الأنهار على مستوى العالم، ويُلقب بأطول نهر في العالم، إحدى عشرة دولة تعتمد على مياه النيل، وهم: بوروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مصر، إريتريا، أثيوبيا، كينيا، رواندا، السودان، جنوب السودان، تنزانيا، أوغندا، جيبوتي.

يرفد النيل نهرين رئيسين: النيل الأبيض والنيل الأزرق، حيث ينبع الأول في منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا من جنوب رواندا، ويجري من شمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا، ثم إلى أوغندا، ثم جنوب السودان، بينما يبدأ الثاني في بحيرة تانا في أثيوبيا، ثم يجري إلى السودان من الجنوب الشرقي، ليقترن الرافدان بالقرب من مدينة الخرطوم. ومن هنا تحتفظ دول المصب بحصة ثابتة من المياه أمام السد العالي، 84 مليار م3، تأتي منها %85 من الهضبة الأثيوبية، و%15من الهضبة الاستوائية وجنوب السودان. وعلى ذلك يكون تأثير مشروعات الهضبة الأثيوبية والسودان وجنوب السودان بنسبة %90 على مصر، أما تأثير الهضبة الاستوائية فلا يشكل سوى %10 على حصة كل من مصر والسودان وجنوب السودان.

سد النهضة الأثيوبي

في عام 2011، بدأت أثيوبيا في بناء سد النهضة الأثيوبي الكبير على النيل الأزرق، في مكان يسمى جوبا، على بعد حوالي 60 كم من السودان، و750 كم شمال غرب أديس أبابا. أحد أهم الشواغل الرئيسية بشأن بناء السد، هو مدة ملء الخزان الذي سيقلل من حصة مصر من المياه، وبالتالي يؤثر على الأمن المائي في مصر. بما أن النيل مرادف لقلب مصر وروحها، فإنه ليس بالغريب أن ينظر قادة البلاد ببعض الاستياء من مشروع السد، فبناء هذا السد المثير للجدل والشكوك، سيتحكم بصورة شبه كاملة في إيراد النيل الأزرق، كما أننا لا ننسى كلمات الرئيس الراحل أنور السادات، عندما قال: “أي عمل من شأنه أن يعرّض مياه النيل الأزرق للخطر، سيواجَه برد فعل حازم من جانب مصر، حتى لو كان هذا الإجراء سيؤدي إلى الحرب”.

تُعد أثيوبيا الدولة الوحيدة في الحوض التي لا تستقبل أي مياه من خارج أراضيها؛ مما يؤكد أهمية بناء السدود بالنسبة لها من الناحية الاقتصادية. وكذلك طبيعة أثيوبيا الجغرافية التي تحرمها من الاحتفاظ بمياهها، حيث تشبه حالتها “برج الماء”؛ لكثرة المياه المنحدرة من المرتفعات، ومن ناحية أخرى، أكثر من 930 مليار م3 يتبخر ويتسرب منها حوالي %80، ويذهب الباقي إلى خارجها شمالًا باتجاه السودان ومصر، وجنوبًا إلى كينيا والصومال، وقد لا يتبقى لها سوى 25 مليون م3 من هذه المياه.
هكذا تعاني أثيوبيا معضلة اقتصادية من قلة مواردها وثرواتها الطبيعية، تجعلها في أواخر القائمة لأشد الدول فقرًا على مستوى دول العالم، وتأمل أن تجني من وراء هذا السد وغيره أرباحًا تنقلها إلى الدول متوسطة الدخل بحلول الخطة الخمسية (2025 – 2020)، وذلك من عائدات تصدير فائض الكهرباء لدول الحوض وخارجها بما يوازي 450 مليون دولار سنويًا.

يقترن تأثير سد النهضة على النيل الأزرق وروافده، مع هبوط متوسط نصيب الفرد من المياه في مصر دون خط الفقر المائي (1000 م3) إلى (350 م3) بحلول عام 2050, وفي مقابل الزيادة السكانية المستمرة، علاوة على محدودية المياه، وتواضع المخزون الجوفي غير المتجدد في الصحراء الغربية قد يصبح الأمر كارثيًا.

ويتمثل هذا التأثير البيئي فيما يلي:

– فقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية تُقدَّر بنحو مليوني فدان، ستنخفض الأراضي الزراعية في صعيد مصر بنسبة 29.47%، وستنخفض الدلتا بنسبة 23.03%.
– انخفاض كهرباء السد العالي، وخزان أسوان، وقناطر إسنا، ونجع حمادي لأكثر من 500 ميغاوات في السنة.
– تعرض محطات تنقية مياه الشرب للتوقف، وكذلك توقف كثير من الصناعات التحويلية.
– تأثر محطات الكهرباء الغازية المعتمدة على التبريد من مياه النيل.
– تدهور نوعية المياه في الترع والمصارف من قلة غسيل مجرى النهر.
– حجز كميات ضخمة من الرواسب النهرية التي -وإن كانت ستزيد نسبيًا من حجم التخزين ببحيرة السد العالي- إلا إنها ستزيد من فجوة السماد الطبيعي للأراضي الزراعية وما يتبعه من التأثيرات الضارة بصحة الإنسان والبيئة.
– تداخل مياه البحر في أراضي شماليّ الدلتا، وتدهور نوعية المياه في بحيراتها الغربية، وارتفاع تكلفة التحلية، وزيادة الفجوة الغذائية إلى نحو 10مليارات دولار حاليًا.

لا جدال في حق دول حوض النيل في العائد الاقتصادي والاجتماعي لبناء السدود العملاقة داخل أراضيها؛ لتقليل الفجوة المائية والغذائية والتنموية من أجل رفاهية شعوبها، ولكن على اعتبار عدم خلو أي مشروع من الآثار الجانبية والبيئية على الدول الأخرى.

المصدر: 1، 2

كتابة: نهاد حمدي

تحرير: إسراء وصفي

 

اظهر المزيد

نهاد حمدي

مسئول قسم البيئة والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى