الفيزياء والفلك

الإنتروبيا – Entropy

القوانين الأساسية، التي تحكم كل تنظيمات الطاقة في أي نظام فيزيائي، هي قوانين مشتقة من قانونين مشهورين في الديناميكا الحرارية (Thermodynamics). يخضع ثاني هذين القانونين -وهو “مبدأ كارنو – Carnot’s principle”- لمفهوم الإنتروبيا (Entropy)؛ حيث تبوأ مفهوم الإنتروبيا مكانة رفيعة، ليس في علم الفيزياء فقط، وإنما في العلوم الإنسانية أيضًا. لكن المؤسف في الأمر أن الفيزيائيين، المهندسين، وعلماء الاجتماع يستخدموا العديد من المصطلحات بشكل مشوِش، معتقدين أنها مرادفة للإنتروبيا، مثل: الفوضى (Disorder)، والاحتمال (Probability).

يُطبَّق القانونان الأساسيان للديناميكا الحرارية على الأنظمة المغلقة فقط، أي الأنظمة التي يحصل فيها تبادل للطاقة، المعلومات، والمواد. ويمكن اعتبار الكون في مجموعه نظامًا مغلقًا من هذا النوع، وهذا يسمح لنا بتطبيق القانونين على ذلك النظام.

ماذا يقول قانونا الديناميكا الحرارية؟
ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية على أن “الكمية الكلية للطاقة تظل ثابتة ولا تتغير”، وهو ما يُعرَف بـ”مبدأ حفظ الطاقة”. أما القانون الثاني فينص على أن “جودة الطاقة تَتَدَرَّك -أي تنزل لمستوى أدنى- بشكل معكوس”، وهذا هو “مبدأُ تَدَرُّك الطاقة”.

يضع القانون الأول الأسس للمساواة بين الأشكال المختلفة للطاقة (طاقة الإشعاع، الطاقة الكيميائية، الفيزيائية، الكهربائية، والحرارية)، ويضع الأسس لإمكانية التحول من شكل إلى آخر، وكذلك الأسس التي تحكم هذه التحولات. ويعتبر المبدأ الأول أن الحرارة والطاقة قيمتان مختلفتان لنفس الطبيعة الفيزيائية.

في عام 1850 م تقريبًا، كشفت الدراسات -التي قام بها “اللورد كيلفن – Lord Kelvin”، “كارنو – Carnot”، و”كلوسيوس – Clausius” في عمليات تحويل الطاقة في الآلات الحرارية- أن هناك تسلسلًا ما بين هذه الأشكال المختلفة من الطاقة، كما أن هناك عدم اتزان موجود خلال عمليات تحولاتها، وقد كان التسلسل وعدم التوازن العاملين الأساسيين اللذين تم الاعتماد عليهما في صياغة القانون الثاني.

في الواقع، أشكال الطاقة الفيزيائية، الكيميائية، والكهربائية يمكن تحويلها بشكل كامل لطاقة حرارية، لكن لا يمكن الوصول إلى العكس (تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة فيزيائية على سبيل المثال) بشكل كامل بدون مساعدة خارجية، أو لِنَقُل: بدون فقدان محتوم للطاقة على شكل حرارة لا يمكن استردادها. هذا لا يعني أن الطاقة قد أُتلِفت، ولكنه يعني أن هذه الطاقة صارت غير متاحة لإنتاج شغل. هذا الازدياد في كمية الطاقة التي لا يمكن التخلص منها، والموجودة في الكون، يمكن قياسه باستخدام البُعد المجرد، والذي أطلق عليه “كلوسيوس” اسم الإنتروبيا (وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية “entrope”، وتعني “التغير”).

الإنتروبيا:
مفهوم مجرد يصعب توصيفه. ومع ذلك، تعامل العلماء معه في ذلك الحين بشكل حدسي؛ فَهُم فقط بحاجة إلى أن يشيروا بشكل عقلي إلى الحالات الموجودة بشكل فعلي كالفوضى، التبدد، والفقد في الطاقة أو المعلومات. ولكن كيف يمكن تمثيل الطاقة المُدَرَّكة، أو التسلسلات الناتجة عنها، أو عمليات التَّدَرُّك نفسها بشكل حقيقي؟

قد يبدو -للوهلة الأولى- أن هنالك تناقضًا بين قانونَي الديناميكا الحرارية؛ فالقانون الأول ينص على أن “الطاقة والحرارة هما بُعدان لهما نفس الطبيعة الفيزيائية”، أما القانون الثاني فيفيد بعكس ذلك، وذلك ﻷن الطاقة الكامنة تَتَدَرَّك بشكل لا يمكن عكسه إلى شكل من أشكال الطاقة أقل مستوى، أقل نبلًا، وذي جودة أدنى (وهي الحرارة).

رأي نظرية الإحصاء:
تُقدِّم نظرية الإحصاء إجابة وافية لحل هذا التناقض؛ فالحرارة عبارة عن طاقة حركية (Kinetic energy) بالتحديد، والطاقة الحركية تنتج بسبب حركة الجزيئات في المادة الغازية، أو بسبب اهتزاز الذرات في المادة الصلبة. عندما تكون هذه الطاقة على شكل حرارة، فإن هذه الطاقة تقل لتصير في حالة من الحد الأعلى من الفوضى، بحيث تكون كل حركة مقيدة بقوانين الإحصاء.

أما الطاقة الكامنة (Potential energy)، فتُعتبَر طاقة مُنَظَّمة في مقابل الحرارة التي تعتبر طاقة غير مُنَظَّمة. لذا، فإن الحركة الكلية للجزئيات (في غاز مثلًا) ستُنتِج شغلًا ما (مثل دفع المكبس – driving a piston). ولكن، إذا كانت الحركة غير فعالة في نقطة معينة، وتتجه في كل الاتجاهات بنفس الوقت، ستكون الطاقة موجودة، ولكنها غير فعالة. قد يقول قائل أن مجموع كل الكميات من الحرارة التي فُقِدَت -خلال كل العمليات التي حدثت في العالم- تُعتبَر قياسًا للإنتروبيا، وقد يقوم شخص ما بالتعميم بشكل أكثر؛ فبفضل العلاقة الرياضية بين “الفوضى” و”الاحتمالية”، من الممكن الحديث عن التطور باتجاه زيادة الإنتروبيا عن طريق استخدام واحدة من الجملتين التاليتين: “إذا تُرِك نظام معزول ما لوحده فإنه يتجه إلى الوجود في حالة الفوضى القصوى”، أو “إذا تُرك نظام معزول ما لوحده فإنه يتجه إلى الوجود في حالة الاحتمالية الكبرى”.

يمكن تلخيص التعبيرين المتكافئين السابقين كالتالي:
– الطاقة الكامنة </= إنتروبيا الطاقة المنظمة </= الطاقة غير المنظمة (الحرارة).
– الطاقة عالية الجودة </= الحرارة (طاقة من مستوى متدنٍ).
– الترتيب </= العشوائية اللا احتمالية </= الاحتمالية.

وقد أثَّر كل من مفهوم الإنتروبيا ومفهوم تعذر الانعكاس (irreversibility) -المشتقين من القانون الثاني- بشكل كبير على فهمنا للكون.

مساهمات الإنتروبيا في العلوم الأخرى:
يفتح مفهوم الإنتروبيا الطريق أمام فلسفة التقدم والتطور، وذلك في كسره للحلقة المفرغة التي وقع في شباكها الأقدمون، وكذلك في مواجهة التطور الحيوي -الذي ينشيء النظام والترتيب- لها. ومن ناحية أخرى، يمكن للإنتروبيا أن تُسهِم في تخفيف حدة الخلاف بين الاتجاهين الجارفين الرئيسيين في العالم: الدين، والعلم (كما ورد في أعمال “برغسون – Bergson” و”تيلار دي شاردان – Teilhard de Chardin”). من النتائج المثيرة أيضًا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية هي فكرة الموت الحراري المحتوم للكون، وهي فكرة تأثرت بالفلسفة والأخلاق، بفهمنا للكون، وحتى بفنوننا.

هناك فكرة قائلة بأن طبيعة الإنتروبيا ذاتها هي السبب في أن النهاية هي المستقبل الوحيد الممكن للإنسان، هذه الفكرة تفشَّت في ثقافتنا كما يتفشى الشلل. وقد قادت هذه الفكرة العالم الفيزيائي “ليون برويون – Leon Brillouin” للتساؤل: “كيف السبيل لفهم الحياة إذا كان الكون خاضعًا لقانون كالقانون الثاني للديناميكا الحرارية؟ قانون يُحَتِّم الموت والفناء!”.

 

المصدر

 

كتابة: الاء حمدي

مراجعة: احمد مغربي

تحرير: زياد محمد

تصميم: اسلام فيصل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى