صحوة الكون
في بحث جديد، عرض فريق من الفلكيين مجموعة من أقدم المجرات على الإطلاق. قد تكونت هذه الأجسام عندما كان عمر الكون ٦٨٠ مليون سنة فقط، في هذا الوقت، كانت المجرات ممتلئة بكمية كبيرة من الأشعة الفوق بنفسجية، مما تسبب في استثارة وتأين الغازات الخاملة.
ما قبل تكوين النجوم:
في الأيام الأولى من كوننا، لم يكن هناك نجم واحد على الأقل يلمع عبر الكون، كان كل شيء متماثلًا تمامًا، تقريبًا نفس متوسط الكثافة من مكان إلى آخر، كما أنه كان متعادلًا بشكل مزعج.
ولكن قبل ذلك، وفي أول مئات الألف سنة بعد الانفجار العظيم، كان كوننا شديد الحرارة والكثافة بحيث أصبح “بلازميًا”، وذلك بسبب التزاحم المستمر بين الذرات وبعضها، مما أدى إلى تفككها إلى مكوناتها: [الإلكترونات والأنوية].
لكن كل تلك الفوضى انتهت عندما أصبح الكون ناضجًا بعمر ٣٨٠ ألف عام، فأخذت مكوناته في الانتشار وبدأت درجات الحرارة في الانخفاض، فاتحدت الإلكترونات والأنوية مع بعضها البعض وتشكلت أول ذرات في الكون، ألا وهي الهيدروجين والهليوم.
ونتج عن هذا الاتحاد إطلاق كمية هائلة من الإشعاع الكوني،
ولملايين السنين ظل الكون في تلك الحالة من التعادل، ولكن مع توسعه وبرودته، بدأت بذور صغيرة تتشكل من تلك الغازات فتكون أكثر كثافة بقليل من محيطها مما أعطاها جاذبية صغيرة، فبدأت بجذب المواد الأخرى المحيطة بها، فأخذت بالنمو أكثر وأكثر كلما جذبت أكثر وتزداد جاذبيتها، وعلى مر العصور، نمت النجوم والمجرات الأولى في الكون الصامت، المظلم، والمتعادل.
بزوغ الفجر الكوني:
لا نعرف بالضبط متى تكونت النجوم الأولى؛ فهذا لأن الكون لم يعد متعادلًا، ولكنه أصبح متأيّن، فالغالبية العظمى من المادة في الكون اليوم عبارة عن بلازما، وهي نفس الحالة التي كانت عليها منذ زمن بعيد، حيث كانت الإلكترونات والنويات حرة لتعيش حياتها المستقلة.
وعندما كان عمر كوننا ٣٨٠ ألف عام تحول من البلازما إلى التعادل، وبعد أكثر من 13 بليون سنة، عاد بلازميًا مرة أخرى،
لابد أن شيئًا ما قد حدث، لا بد أن شيئًا ما قد فكك كل تلك الذرات في الكون.
يعتقد علماء الفلك أن الأشعة فوق البنفسجية الشديدة -التي أخرجتها النجوم الأولى أو انفجارها نتيجة لتحولها إلى السوبرنوفا- هي التي جعلت الكون بلازميًا.
ولكن لا نَعْرفُ متى حدث هذا، فبرغم التطور العلمي إلا أن التلسكوبات المستخدمة لا تستطيع العودة إلى هذه الحقبة من الكون.
تكوين مجموعة كبيرة من الفقاعات الإشعاعية:
وبدأ البحث عن المجرات القديمة والأقدم، إلى جانب عمليات مسح الغاز في محيطها، في محاولة معرفة مراحل نمو وتطور الكون.
وحديثًا، وجد فريق دولي من الباحثين ثلاث مجرات خافتة جدًا وصغيرة جدًا وبعيدة، هذه المجرات المتناهية الصغر قد تكونت بالكامل، ووُجِدت عندما كان عمر الكون ٦٨٠ مليون سنة فقط -لكن هذا ليس جديدًا، فقد وجدنا مجرات قديمة من قبل- ولكن في هذه الدراسة أضاف الباحثون شيئًا مختلفًا؛ فبفحص الإشعاع المنبعث من البيئة بالقرب من تلك المجرات، اكتشفوا أن المجرات بدأت بالفعل تنفخ فقاعات من البلازما المؤينة في محيطها، وبعبارةٍ أخرى، بدأ الإشعاع الذي يخرج من المجرات بالفعل في تحويل الكون إلى بلازما، وهذه أول إشارة واضحة لإعادة التأيين للكون.
ومع أن علماء الفلك استنتجوا أن الكون انتهى من إعادة التأيين في أول عيد ميلاد له بمليار سنة، لم يشُك أحد في أن هذا يمكن أن يحدث مبكرًا. وهذه المجرات تعتبر هدفًا للرصد من خلال تلسكوب جيمس ويب [james webb]، والذي صُمم خصيصًا لدراسة هذا العصر من تاريخ الكون.
كتابة: الاء حمدي
مراجعة: عمر مبارك
تحرير: هاجر هشام
تصميم: عاصم عبدالمجيد