تجربة الشق المُزدوج على نطاق 2,000 ذرة
يُمكن تواجُد الجزيئات العملاقة في مكانين في آن واحد، وذلك بفضل فيزياء الكم.
هذا شيء عرفه العلماء منذ فترة طويلة، وهو صحيح نظريًا استنادًا إلى بعض الحقائق، فكل جسيم أو مجموعة من الجزيئات في الكون هي أيضًا موجة -حتى الجزيئات الكبيرة، والبكتيريا، وحتى البشر، والكواكب والنجوم-.
وتشغل الأمواج أماكن مُتعددة في الفضاء مرة واحدة، لذلك فإنَّ أي جزء من المادة يُمكن أنْ يشغل أيضًا مكانين في وقت واحد.
يُطلق الفيزيائيون على هذه الظاهرة اسم “التراكُب الكمي Quantum Superposition”، ولعقود من الزمن استطاع العلماء إثباتها بواسطة جزيئات صغيرة.
ولكن في السنوات الأخيرة، عزز الفيزيائيون تجاربهم، وأظهروا “التراكُب الكمي” باستخدام جزيئات أكبر وأكبر.
الآن، في ورقة نُشِرَت في 23 سبتمبر في مجلة “Nature Physics”، استطاع فريق دولي من الباحثين جعل جزيء مُكون من ما يصل إلى 2000 ذرة يتواجد في مكانين في نفس الوقت.
لقد عرف الباحثون منذ فترة طويلة أنَّ الضوء الذي يتم إطلاقه عبر لوح به شقان، سيخلق نمطًا للتداخُل، أو سلسلة من الهوامش الخفيفة والمُظلمة على الحائط خلف الورقة، لكن كان يُعتقَد أنَّ الضوء موجة عديمة الكتلة، وليس شيئًا مُكونًا من جزيئات، لذلك لم يكن هذا مُفاجئًا.
ومع ذلك، في سلسلة من التجارب الشهيرة في عشرينيات القرن الماضي، أظهر الفيزيائيون أنَّ الإلكترونات التي أُطلِقت من خلال الأفلام الرقيقة أو البللورات سوف تتصرف بطريقة مُماثلة، وتُشكل أنماط مثل الضوء على الجدار وراء المادة المُنعكسة.
إذا كانت الإلكترونات مُجرد جُسيمات، فإنها سوف تشغل نقطة واحدة فقط في الفضاء، وسوف تُشكل شريطين، تقريبًا مثل شكل الشقوق على الحائط خلف الفيلم أو البللورة.
ولكن بدلًا من ذلك، ضربت الإلكترونات هذا الجدار في أنماط مُعقدة تُشير إلى أنَّ الإلكترونات قد تداخلت فيما بينها، وهذه علامة مُميزة للموجة.
في بعض المناطق، تتزامن قمم الأمواج، مما يخلق مناطق أكثر إنارة، بينما في الأماكن الأخرى، تتزامن القمم مع القيعان، لذلك يقوم الاثنان بإلغاء بعضهما البعض وتنتج منطقة مُظلمة، الفيزيائيون كانوا يعلمون بالفعل أنَّ الإلكترونات لها كتلة، وأنها بالتأكيد جُسيمات، فقد أظهرت التجربة أنَّ الإلكترونات تتصرف كجُسيمات وكموجات في آن واحد.
القيام بذلك مع جزيئات عملاقة هو أصعب بكثير، حيث تُصاحب الجزيئات الكبيرة موجات لها أطوال موجية أقصر، تُؤدي إلى أنماط تداخُل بالكاد يُمكن رصدها، ولهذه الجزيئات التي يبلغ عددها 2000 ذرة أطوال موجية أصغر من قُطر ذرة هيدروجين واحدة، لذلك يكون نمط تداخُلها أقل صعوبة إلى حد ما.
لنجاح تجربة الشق المُزدوج للجزيئات الكبيرة، صمم الباحثون آلة يُمكن أنْ تُطلق حزمة من الجزيئات (أشياء ضخمة تُسمَّى oligo-tetraphenylporphyrins
المُخصب بسلاسل فلورو ألكيل السلفانيل)، أكثر 25000 مرة من كتلة ذرة هيدروجين بسيطة)، من خلال سلسلة من قضبان وصفائح بها شقوق مُتعددة، كان طول الشعاع حوالي 6.5 قدم (2 متر).
عندما قام الباحثون بتشغيل الجهاز، كشفت أجهزة الكشف الموجودة في أقصى الطرف عن نمط التداخُل، كانت الجزيئات تحتل نقاطًا مُتعددة في الفضاء مرة واحدة، وكتب الباحثون أنها نتيجة مُثيرة، مما يُثبت التداخُل الكمومي على نطاقات أكبر من أي وقت مضى، وكتب المُؤلفون: “أنَّ الجيل القادم من تجارب موجة الجُسيم، ستكون مُبهرة بشكل كبير”.
هناك إثباتات أكبر للتداخُل الكمي قادمة، على الرغم من أنه لن يكون من المُمكن إطلاق شخص من خلال مقياس التداخُل في أي وقت قريب (أولًا وقبل كل شيء، من المُحتمل أنْ يقتل الفراغ الموجود في الجهاز)، فنحن كائنات عملاقة، سيتعين علينا فقط الجلوس في مكان واحد ومُشاهدة الجزيئات تحظى بكل المتعة.
كتابة: زهرة صابر
مراجعة: أحمد مغربي
تحرير: أسماء مالك
تصميم: عاصم عبد المجيد