تنبأت النظرية النسبية العامة لأينشتاين قديمًا بوجود الثقوب السوداء، والثقب الأسود حديث التكوين ما هو إلا نتيجة تصادم ثقبين أسودين كبيرين واندمجا ليكوّنا ثقبًا واحدًا، فإذا كانت هذه النظرية صحيحة لصدر عن هذه التصادمات رنين أو أنتجت موجات تشبه الموجات الصوتية. فتنبأ أيضًا أينشتاين بأن تكون درجة انحطاط تلك الموجات بمثابة علامة مباشرة لبعض خواص الثقب كالكتلة والدوران، ويبقى السؤال هل من الممكن أن يكون تنبؤ أينشتاين صحيحًا؟
في 9 سبتمبر من عام 2015 قام العلماء بأول اكتشاف على الإطلاق لموجات الجاذبية -تموجات لا متناهية في الزمان والمكان ناشئة عن ظواهر كونية عنيفة- وعندما تم الكشف عن تلك الموجات بما يسمى “GW150914” باستخدام مرصد موجة التداخل بالليزر بواسطة LIGO، وبمجرد إزالة العلماء للضوضاء وتكبير الإشارة، لاحظوا شكل موجة سرعان ما انهارت قبل أن تتلاشى، وعند ترجمتها سمعوا صوتًا أشبه بتغريد العصافير.
يقول العلماء أن هذه الأصوات انطلقت بسبب التفجير السريع لثقبين أسودين كبيرين، يبدو أن أينشتاين كان على حق طوال الوقت.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة ماكسيميليانو إيسي (Maximiliano Isi)، زميل ناسا في معهد كافلي (Kavli) لبحوث الفيزياء الفلكية وبحوث الفضاء عن أينشتاين: “لم نتوقع أن تكون النسبية العامة صحيحة، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نؤكد فيها على ذلك بتلك الطريقة”.
في 11 سبتمبر 2019 نشرت مجلة “Physical Review Letters” تأييد لنظرية أينشتاين أن الثقب له ثلاث خصائص وهي الكتلة والدوران والشحنة الكهربية، أما باقي الخصائص يتم ابتلاعها بواسطة الثقب وبالتالي لا يمكن مراقبتها. قام العلماء بحساب كتلة ودوران الثقب الذي يجب أن يكون عليه باستخدام معادلات أينشتاين وبالنظر إلى نمط رنين الثقب، تطابقت هذه الحسابات مع قياسات كتلة ودوران الثقب. ولكن إذا أخطأت هذه الحسابات وأظهرت نتائج مختلفة كثيرًا عن القياسات الموجودة هذا يعني أنه من المفترض أن توضح خصائص أخرى غير تلك الثلاث، ولكن كما اتضح فإن نمط رنين الثقب هو علامة مباشرة على كتلته ودورانه.
عمل ماكسيميليانو وماثيو جيسلر (Matthew Giesler) على استخراج طريقة لمعرفة ارتداد الثقب بعد لحظة الذروة عن طريق عمل محاكاة اختصوا فيها بالجزء الموجود مباشرة بعد الذروة، وجدوا أنها تحتوي على عائلة من النغمات الصاخبة قصيرة العمر، وعند إعادة تحليلها مع مراعاة الدرجات اللونية اكتشفوا أن بإمكانهم عزل نمط الرنين الخاص بالثقب الأسود حديث التكوين بنجاح. وعندما طبق الباحثون هذه التقنية على البيانات الفعلية مع التركيز على آخر مللي ثانية بعد الذروة مباشرةً تمكنوا من تحديد نغمتين مميزتين على وجه التحديد، وتمكنوا من قياس كلتيهما.
يقول إيسي: “اكتشفنا إشارة موجة الجاذبية الإجمالية التي تتكون من ترددات متعددة تتلاشى بمعدلات مختلفة، مثل الملاعب المختلفة التي تشكل صوتًا”، “كل تردد أو نغمة يتوافق مع تردد الاهتزاز من الثقب الأسود الجديد”.
كما ذكرنا من قبل أن النظرية النسبية لأينشتاين تنبأت بأن درجة انحطاط موجات الجاذبية تحمل معلومات عن كتلة الثقب ودورانه، وهذا يعني أن وجود ثقب أسود من كتلة معينة يدور بطريقة معينة يمكن أن ينتج نغمات من درجة معينة، وباستخدام معادلات أينشتاين التي أثبتت صحتها. كما تقول بأن الباحثين يمكنهم استخدام أجزاء أو لحظات الذروة لموجات الجاذبية لمعرفة رنين كل ثقب أسود جديد، وقد كان هذا الاكتشاف غير متوقع الآن وليس خلال عشرين عامًا حتى.
وفي المستقبل ومع تحسين خدمات الإنترنت سوف يتمكن الباحثون من استخدام أساليب جديدة لسماع أصوات الثقوب حديثة التكوين، ولكن إذا حدث واكتشفنا أن تلك الأصوات ليست صادرة عن الثقوب ربما يكون هذا الجزء أكثر إثارة.
ذكر إيسي: “في المستقبل سيكون لدينا أجهزة كشف أفضل على الأرض وفي الفضاء، وسوف نكون قادرين على رؤية عشرات الأنماط وتحديد خصائصها بدقة”، وقال أيضًا: “إذا لم تكن هذه ثقوبًا سوداء كما يتنبأ أينشتاين، فإذا كانت كائنات أكثر غرابة مثل الثقوب الدودية أو نجوم البوزون فقد لا يرنوا بالطريقة نفسها، وسيكون لدينا فرصة لرؤيتهم”.
كتابة: سارة محمد
مراجعة: سارة صلاح
تحرير: ميرنا عزوز
تصميم: أمنية عبد الفتاح
