الجانب المظلم للضحك: هل الضحك في الجنائز سببه اضطراب ما؟
عندما تسمع شخصًا يضحك عادةً ما تظنه يتحدث على الهاتف أو يضحك مع شخص يحبه ويغمره ذلك الشعور الدافئ. ولكن هل يمكنك أن تتخيل أن الشخص الذي يضحك يسير بمفرده في الشارع؟ أو يجلس خلفك في جنازة!
إن الضحك وتقدير حس الدعابة مكونان حيويان للتأقلم الاجتماعي والعاطفي والإدراكي؛ فالضحك يقوّي الترابط ويخفف القلق والتوتر، كما ثَبُت أنه يُحسِّن حالة الجهاز الدوري والمناعي ونظام الغدد الصماء، ثَبُت أيضًا أن الدماغ يتأثر إيجابيًا بالضحك، وهذا يمكن أن يفسر العلاج بالضحك وفوائدها التي منها تحسين عملية التنفس وحالة العضلات، وتقليل التوتر والقلق وزيادة مرونة التعامل، بل أيضًا يعمل كمضاد للاكتئاب برفع مستويات السيروتونين في الدم.
الضحك ليس خاصًا بالبشر فحسب! بل تشاركنا فيه بعض أنواع القرود أيضًا. الأساس العلمي لتفسير عملية الضحك لا يزال مبهمًا إلى حد ما، وما نعرفه عنه يأتي أساسًا من دراسة الحالات المرضية. فنحن نعلم أن هناك مسارات في الدماغ تساهم في إحداث الضحك. فمثلًا المناطق المسؤولة عن صنع القرار والتحكم في السلوك يتم إغلاقها لتسهيل بدء عملية الضحك كونها عملية تلقائية.
وبرغم فوائده المتعددة، إلا أنه كأي شيء آخر له جوانبه المظلمة! فالضحك ليس شعورًا إيجابيًا أو صحيًا بشكل دائم، والضحك المنفرد يمكن أن يكون نذير شؤم لاضطراب ما وهذا هو قلب المقال. حيث أن إحدى هذه الحالات والموثوقة جيدًا يدخل فيها المريض بشكل لا إرادي في نوبات متعاقبة من الضحك والبكاء في أوقات غير مناسبة، وتسمى بالتقلقل العاطفي (متلازمة الأثر البصيلي الكاذب Pseudobulbar Effect Syndrome). ولا تكون نوبات الضحك والبكاء تلك مناسبة بالمرة للموقف حينها، كما أن تعابير الوجه لا تتماشى مع العاطفة المسيطرة. والعاطفة المسيطرة لا ترتبط بالحالة المزاجية؛ فيمكن أن يشعر بفيض غامر من السعادة وفجأة يبدأ في البكاء دون توقف! ويظل المثال الأشهر هو الانفجار ضحكًا وقت الحزن (كالجنازة مثلًا) مما يسبب الإحراج والقلق للمريض أمام العامة.
يصاحب المتلازمة نوبات من الاكتئاب والإحباط، ويمكن أحيانًا أن يختلط الأمر على المختص لتشابه أعراض المتلازمة مع الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب. ولكن ما الذي يحدث؟
يعتقد العلماء أن السبب وراء المتلازمة هو خلل في الفص الجبهي المسؤول عن التحكم في العواطف. كما أن أي إصابة أو مرض في الدماغ يمكن أن يؤدي إليها، فتقريبًا نصف المصابين بالسكتة الدماغية أصيبوا بالمتلازمة. وهناك بعض الاضطرابات المصاحبة لها مثل الزهايمر، الشلل الرعاش، التصلَُب المتعدد، السكتة الدماغية وبالطبع الأورام. وننوه هنا أن تشخيص الحالة (وتشخيص أي مرض عمومًا والأمراض النفسية خصوصًا) لا يتم استنتاجه من انطباق عَرَض أو اثنين عليك، بل يجب اللجوء إلى طبيب مختص.
وننتقل الآن لموضوع مثير أيضًا متعلق بالضحك، فأنت بالتأكيد سمعت كثيرًا من أهلك أو أصدقائك جملة “أنا أشعر بك” أو “أعرف تمامًا ما تعانيه” وغيرها من صور الدعم النفسي، ولكن هل يمكن أن يكونوا فعلًا يشعرون بذلك؟ ماذا إن أخبرتك أن هناك حالة تم تسجيلها يشعر صاحبها بما يشعر به الشخص الذي أمامه؟
هناك امرأة (لقبت نفسها بـTC) تدخل في نوبات ضحك لا إرادية عند رؤية أحد يتم دغدغته! لا ليست تضحك عليهم، إنها تضحك بالنيابة عنهم وتشعر تمامًا بما يشعرون. إنها حالة نادرة وغريبة تعرف بحس المرآة المرافق “Mirror-Touch Synaesthesia”. أجرى بعض الباحثون سلسلة من التجارب على TC؛ لاستكشاف تلك الحالة والتأكد من أن ردود أفعالها تلك ناتجة عن أنها تشعر فعلًا بما يشعر به الآخرون، وليس لأن الموقف مضحك. وكانت التجارب كأن ترى بعض المتطوعين يلمسون سطحًا ما أو يضعون أيديهم في الثلج وغير ذلك، وثبتت صحة أن ضحكها هذا ليس إلا مثال من جملة ما تشعر به بسبب حالتها.
إن حدة استجابتها كانت أشد عندما كان المتطوعون يعرفونها أو يشبهونها، ووصلت استجابتها لأقصى حد عند مشاهدتها لفيديو لها يتم فيه دغدغتها! فما التفسير؟
الأمر يرجع لمجموعة من الخلايا تسمى أعصاب المرآة، تنشط عندما يتم لمسنا أو لمس شخص نعرفه. ولكن عند غالبيتنا تقوم الإشارات القادمة من مناطق أخرى بالمخ بتعطيل عمل تلك الأعصاب ووقف استجابتنا لما نراه إن كان غيرنا من يتم لمسه. وهي إحدى طرق المخ لتفريقنا عن الباقيين. وفي حالة TC ومن مثلها تكون الإشارات أضعف، مما يسمح لإشارات أعصاب المرآة بالظهور بشكل واضح، وبالتالي تشعر فعلًا بما يشعر به الآخرون وتستجيب له.
برغم جوانبه المظلمة تلك، نعلم أن الضحك يحسن من حالتك المزاجية، فقط جرب أن تضحك مع أصدقائك الأعزاء وستفهم مانقوله. لذلك، وطالما ليس هناك أي اضطراب ما، يظل الضحك أمرًا صحيًا.
كتابة: ياسمين محمد
مراجعة: دينا ناصر
تصميم: أحمد سرور
تحرير: زينب أحمد