الموت وبعض القضايا المتعلقة به من الناحية الطبية
عزيزي القارئ، في هذا المقال نناقش الموت وبعض القضايا المتعلقة به من الناحية الطبية فقط دون التطرق لأي جوانب روحية أو دينية.
ينتج الموت الدماغيّ بسبب بعض الإصابات العصبية المُدمّرة مثل الآثار الناتجة عن إصابةٍ في المخ، السكتة الدماغية الناتجة عن تمزق وعاء دموي في المخ أو بسبب توقف القلب واستمرار المخ في العمل دون إمداده بالأكسجين لفترةٍ من الزمن، ويتم تشخيص موت الدماغ كالآتي: يتحقق الأطباء من عدم استجابة المريض للألم، كوخز البشرة مثلًا، ثم يتحققون من الأفعال الانعكاسية والمسؤول عنها جذع المخ -مثل تسليط ضوءٍ شديدٍ على العين فيظل البؤبؤ متسعًا دون تغيير ومثل لمس العين بقطعةٍ من القطن فلا ينغلق الجفن- وبعدها يتم فصل المريض عن أجهزة التنفس للتحقق ما إذا كان ارتفاع كمية ثاني أكسيد الكربون في الجسم ستؤثر على المخ أم لا. بالطبع الاختبارات تكون أكثر تعقيدًا من ذلك مع الأخذ في الاعتبار وجود هبوط في الضغط أو أدوية معينة، نحن فقط نقدم الخطوط العريضة.
فإن لم يستجب المريض عند أي نقطةٍ من السابق يتم تشخيص المريض بالموت الدماغي ويتم فصله عن الأجهزة، كما يمكن أن يبقى المتوفى لبعض الوقت على أجهزة الإنعاش إذا كان أقاربه يسكنون خارج البلاد، فيتم الحفاظ على الجسد حتى يأتوا ويودعوه، أو للحفاظ على حيوية أعضائه في حالة وجود نية للتبرع بها.
ظاهريًا، تتشابه حالة الغيبوبة مع الموت الدماغي. فكيف يمكن التفرقة بينهما، وهل يوجد حالات أخرى لفقدان الوعي سواهما؟
فالميت دماغيًا هو ميتٌ بالفعل، إذ أن جميع أجهزته الحيوية انطفئت، وإن كان -ظاهريًا- يتنفس وقلبه ينبض بسبب أجهزة الإنعاش، إلا أنه يتعين على جسد المريض القيام بذلك بمفرده دون دعمٍ خارجيّ حتى يُصنّف حيًا. أما مريض الغيبوبة فهو حي ويُظهِر استجاباتٍ انعكاسية، كما أن أجزاءً من مخه لا تزال تعمل، فهو فقط في حالةٍ تشبه النوم، لكن لا يمكن إيقاظه تحت أي مؤثرات، وإما أن يستعيد وعيه، تتطور الحالة لدرجة الموت الدماغي أو التحسن قليلًا دون استعادة وعيه والدخول في حالة تسمى حالة الثبات التام. وفي حالة الثبات التام يكون المريض حيًا أيضًا ولكنّ وعيه ضعيفٌ بشدة، ولكن يمكن أن يفتح عينيه بصورةٍ تلقائية مما يعطي انطباعًا بالوعي، كما أنه يظهر بعض الحركات ولكنها تلقائية وليست لغرضٍ معين، وبالطبع لا يتكلم. وهناك أيضًا حالة الحد الأدنى من الوعي وفيها يكون المريض فاقدًا للوعي وحيًا أيضًا ولكن -وعلى عكس الحالتين السابقتين- يمكن أن يُظهِر المريض تصرفات أو حركات لغرض ما.
إذن فالموت هو حالة فقدان لوظائف المخ لا يمكن أبدًا الرجوع منها، ولكن يا صديقي ما زال العلم يبهرنا بتخطيه للحواجز وكسره للقيود. فماذا لو حاول العلماء مثلًا جعل المخ يستعيد هذه الوظائف؟ أو بعبارةٍ أخرى، ماذا لو حاول العلماء إعادة أحدهم من الموت؟ وهذه هي فكرة مشروع البعث أو “Reanima Project” وهو فكرة مؤسستين علميتين إحداهما في الولايات المتحدة والأخرى في الهند.
والمحاولة باختصار تقوم على الخطوات التالية:
– يتم حقن الحبل الشوكي بخلايا جذعية. والخلايا الجذعية هي خلايا ليس لها أي وظيفة محددة ولكن يمكن أن تتحول إلى أي نوعٍ من الخلايا بما فيها الأعصاب.
– يتم حقن المريض أيضًا بمادة بروتينية من سيتوبلازم البويضة، وتعمل هذه المادة على ترميم التلف في المنطقة التي تم حقن الخلايا الجزعية بها.
– بعد انتهاء هاتين الخطوتين، يتم تحفيز العصب المتوسط “عصب في الذراع” واستخدام الليزر بآلية ما ولمدة 15 يومًا، حيث يساعد ذلك على تحفيز الاتصال بين الأعصاب الجديدة.
وكما هو متوقع، وجد هذا العرض انتقاد العديد من الباحثين، حيث أُتهم هذا العرض بأنه ليس له أساسٌ علميّ كمان أنه مقاربٌ للدجل! وكان رد (إيرا باستور) -المدير التنفيذي للمؤسسة الامريكية الشريكة في المشروع- على تلك الاتهامات أن هذا بالضبط ما قيل عن محاولات نقل الأعضاء قبل مئات السنين، ولكن هل فعلًا محاولة باستور ليس لها أساس علمي؟
تشير الأبحاث إلى أن الخلايا الجذعية والعلاج بالليزر يمكن أن يساعدا في إصلاح تلف المخ. كما أوضحت بعض الدراسات أن تحفيز العصب المتوسط يساعد في إيقاظ حالات الغيبوبة، أي أن هذه الآليات ثبتت فاعليتها نظريًا ولكن بصورة منفصلة. والتجربة تقوم أساسًا على الجمع بينها، ولكن في النهاية تظل مجرد دراسات. فهل هي كافية لتأكيد نجاح محاولة الجمع بينها في تجربة واحدة يمكن أن تعيد الميت إلى الحياة؟ لا نعلم.
وطبعًا تظهر هنا بعض المشاكل الأخلاقية، فالإعلان عن تجربةٍ كهذه يعطي الأمل في نفوس من فقدوا أحبائهم بسبب الموت الدماغي، أملًا يمكن أن يكون غير صحيح؛ لأن المحاولة يمكن أن تفشل، بالإضافة إلى أن التجربة تقوم على تحويل المريض من حالة الموت الدماغي إلى حالة الغيبوبة أو حالة الحد الأدنى من الوعي، وهذا غير أخلاقي في نظر بعض النقاد.
وفي النهاية، الموت هو النهاية الحتمية لكل الأحياء، ولا نعرف إلا أقل القليل عن تلك التجربة المثيرة، أو بالأحرى التجربة الأخيرة. فإن كان الفناء هو نهاية المطاف، فننصحك بالاستمتاع بحياتك قدر الإمكان، وحاول أن تترك أثرًا طيبًا في هذا العالم قبل رحيلك.
كتابة: ياسمين محمد
مراجعة: عبدالله طاهر
تصميم: عبدالرحمن سعد
تحرير: سارة أبوزيادة