الضغط العصبي والذاكرة
هل تؤمن بوجود علاقة خطرة بين ضعف ذاكرتك ونتيجة اختباراتك المنتظرة أو مشكلات العائلة أو العمل والمهام العاجلة غير المنتهية والأحداث المنتظر حدوثها بشدة، إلخ؟
إن كنت لا تؤمن بوجود علاقة بين ضعف ذكراتك والضغوط النفسية والعصبية التي تتعرض لها يوميًا فإليك الأدلة التي أجمع على صحتها أطباء نفسيين وعلماء نفس، وتلك دعوة للتعرف على كيفية التحكم في الضغوط النفسية وطرق إدارتها.
دعنا نوضح أولا ما هو الضغط العصبي؟
التوتر/الضغط العصبي: هو دفاع طبيعي من الجسم ضد الخطر، فهو يمد الجسم بالهرمونات؛ ليجهز أنظمة لمواجهة أو تلاشي الخطر وهذا معروف بـ”حيلة المحاربة أو الطيران”، بمعنى أبسط إن حالة الضغط العصبي أو التوتر أو القلق الشديد هي حيلة من الجسم كي ينبه العقل لخطورة ما يَحدُث أو ما سيحدث فالعقل -حسب الموقف- إما أن يختار أن يواجه الخطر ويتعامل معه أو يهرب ليتلاشى الخطر.
حسنا، لكن ما العلاقة بين اختبارتي ومشاكلي العائلية أو العاطفية وبين ذاكرتي؟
الضغط العصبي يمكنه التأثير على كيفية تكوين الذكريات، ذلك يعني صعوبة أكثر في حدوث التعلم أثناء الضغط العصبي. فإذا كنا قلقين أو مضغوطين أثناء حدث ما، فإنه من الصعب علينا تذكر تفاصيل ذلك الحدث لاحقًا؛ لذلك تكون شهادة شاهد العيان غير جديرة بالثقة!
الذكريات يمكن أن تتغير بعد تكوينها. فكل مرة نستدعي أو نسترجع فيها ذكرى، نحن نصبغها بخبرتنا الحالية. الأمر أشبه بتناولنا لشيء ما موضوع على رف ثم نعيده مكانه مرة أخرى، تاركين بصمات أصابعنا عليه جراء أخذه ثانية. هل أدركت الآن خطورة الضغط العصبي والنفسي على عمل الذاكرة فهو يؤثر على الذكرى أثناء تكوينها أول مرة، ويؤثر عليها عدة مرات في كل مرة تستدعي فيها ذكرى أو حدث معين؛ أنت بشكل لا إرادي تضفي عليه خبرتك الحالية وحالتك العصبية والنفسية الراهنة، هذا يعني أن الحدث أو الذكرى التي تم تكوينها واستدعاؤها قد تكون مغايرة تماما للحقيقة ولما حدث بالفعل.
كيف تنمي ذاكرتك تحت الضغط العصبي؟
رغم ضخامة تأثير الضغط العصبي، لكن التعامل معه والتحكم فيه يسير وممكن وذلك عن طريق بعض الممارسات التي إن استطعنا أن نجعلها عادات، سنحمي أنفسنا عواقب الضغط العصبي، وتلك الممارسات هي:
– تمارين التنفس.
– التخيل: أن تتخيل نفسك بوضوح وقوة وأنت تصل لأحلامك وتحقق أهدافك، فهذه الممارسة العقلية تخفف من وطئة الضغط الواقع على الشخص؛ لإنها تجذب انتباهه لصورة مريحة نفسيًا.
– التحرك: دراسة فحصت تأثير برنامج تمرين الأيروبكس على الأشخاص ذوي الذاكرة الضعيفة، وجدت أن ممارسة برنامج التمرين لمدة 12 أسبوعًا ينمي الذاكرة.
– ممارسة التركيز.
– التأمل: فهناك دراسة تناولت تاثير التأمل على التغيرات التي تَحدُث داخل الجسم أثناء التعرض لضغط نفسي أو توتر شديد، وأوضحت أن التأمل يُستخدَم كطريقة علاجية أو وقائية بشكل كبير في الممارسات الطبية والنفسية للتحكم في الضغط العصبي.
هل للضغط العصبي أو التوتر أنواع؟
نعم، له ثلاثة انواع، هي:
– الضغط العصبي الحاد: وهذا النوع من التوتر قصير الأجل، وهو عادة ما يكون بسبب التفكير في ضغوطات الأحداث الراهنة أو المطالب الآتية في المستقبل القريب.
– الضغط العصبي الحاد العرضي: الأشخاص الذين لديهم التزامات عديدة ويفتقرون للتنظيم يجدون أنفسهم عرضة لأعراض الضغط العصبي الحاد، فهؤلاء الأشخاص يكونون قد تعرضوا للضغط العصبي الحاد بشكل متكرر.
– الضغط العصبي المزمن: وهذا النوع من الضغط العصبي هو الأكثر ضررًا.
الأسباب:
مشكلات العمل أو التقاعد، أزمة في المال أو الوقت، مشكلات العائلة، المرض، ترك الوطن، العلاقات الزواج أو الطلاق، الحمل، وأن يصبح أبًا أو تصبح أمًا، التلوث، الزحام، الضوضاء، انتظار نتيجة هامة، عدم اليقين.
التحكم في إداراة الصغط العصبي:
هنا يُوجَد القليل من الخيارات لأساليب الحياة التي يمكنك أن تتخذها لتدير وتتحكم أو تمنع الشعور بالإرهاق:
– التمرين، تقليل تناول الكحول، المخدرات، الكافين، التنفس والاسترخاء، التعرف على الأعراض أو الإشارات، إيجاد مقللات الضغط العصبي الخاصة بك، التوسع في تدعيم شبكاتك (علاقاتك)، التغذية وتحديد الأولويات.
وبعد هذا الطرح لموضوع الضغط العصبي وأسبابه وطرق التحكم فيه أو تجنبه، يمكننا إضافة أهم جانب إلى الجوانب الصحية والنفسية والفسيولوجية التي ذُكِرت، وهو الجانب الروحاني؛ فالتأمل قد يساهم في التقليل من حدة الضغط العصبي لكن الإيمان وتذكية الروح والفطرة ومصاحبة الذات وتقبلها، هو ما يحقق النجاة الحقيقية للإنسان، وما أحوج إنسان هذا العصر لمقللات الضغط النفسي والعصبي الذي طال الجميع بلا تفرقة أو تميز، فلم تعد الرفاهية المطلقة والثراء ضمانًا كفايًا لتجنب الضغط النفسي، بل أصبحت بابًا لمزيد من القلق والشكوك والحرص على عدم فقدان الممتلكلات والثروات، بدلًا من الانشغال بكيفية استعمالها وتطويعها وحسن إدارتها، وفي ظل التزايد المجنون لمطالب هذا العصر وضغوطه على الإنسان رجلا كان أو امراة، أصبح الملاذ الأكثر أمنًا هو التشبع الروحاني وتعميق الإيمان لطمئنة النفس والهروب بها بعيدًا عن لهيب الماديات ونيران الصراعات السياسية والفكرية.
مع التأكيد على أهمية ممارسة التمارين ومحاولة الاسترخاء والتركيز والاهتمام بالتغذية وتنظيم الأهداف.
كتابة: آيات أحمد
مراجعة: مينا نشأت
تصميم: محمد خالد
تحرير: اسلام حمدي