التكنولوجيا

قضية التطور التكنولوجي والأخلاق

عالمنا اليوم في تسابق مستمر نحو التطور والتقدم التكنولوجي، وتتنافس الدول والمجتمعات العلمية والمؤسسات للسبق في هذا المضمار، ولكن في خضم كل هذا التسارع والتقدم تطفو على السطح مشكلات جديدة، مشكلات من نوع آخر لعلنا لم نواجهها من قبل، إنها المشكلات الأخلاقية.

 

لعلك تتذكر الضجة الكبيرة التي أُثيرت حول موضوع التناسخ منذ عدة سنوات وتُثار حاليًا، مثل هذه الضجة حول عدة موضوعات، منها -على سبيل المثال لا الحصر- الواقع المُعزَّز والذكاء الاصطناعي. وبالتالي فقضية التطور التكنولوجي والأخلاق تضعنا أمام تحديات حقيقية سوف نستعرض أهمها فيما يلي:

(1) الموازنة بين الأخلاقيات والتطور:

إن المشكلة الأكبر هي أن العملية التشريعية بطيئة فيما يخص التكنولوجيا، وهذا بسبب حاجة العلماء والباحثين لوقت كافٍ لدراسة الموضوع من كافة جوانبه؛ لاتخاذ قرار سليم بحقه، وبالتالي فنحن بحاجة لتسريع عملية التشريع.

 

(2) ضرورة موازنة القوى:

يجب على المجتمع العلمي أن يهتم بعملية الموازنة بين المجتمعات والطبقات المختلفة، فاستحواذ إحدى البلاد على مصادر القوة التكنولوجية والعلمية قد يؤدي إلى الحروب، واستحواذ أحد الأشخاص على اتخاذ القرارات الأخلاقية التكنولوجية يجعلنا عرضة للأهواء الشخصية.

 

(3) اتخاذ قرارات مدروسة بعناية:

من الضروري أن تكون عملية اتخاذ القرارات الأخلاقية عملية موضوعية، وبالتالي يجب أن يكون متخذو القرار على دراية تامة بكل جوانب الموضوع العلمي المطروح، ولا تمكن إناطة اتخاذ القرار بأشخاص من خارج مجال الموضوع العلمي المعروض للنقاش.

 

(4) التعرض لجوانب متعددة ومختلفة:

إن أي تقدم تكنولوجي يتصل بمجالات مختلفة، وعلى هذا فإنه من الضروري الأخذ في الاعتبار تأثيرات هذا التقدم على كافة الجوانب كصحة الإنسان، والموضوعات البيئية وغيرها.

 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: مَن المسؤول عن اتخاذ مثل هذه القرارات الأخلاقية المتعلقة بالتكنولوجيا؟

– العلماء:

نحن نثق بالعلماء؛ فهم يسعون دائمًا نحو المعرفة وكشف الحقائق، ولكن تكمن المشكلة الأساسية في أن عملية البحث تستغرق مدة طويلة، سنوات أو ربما عقودا.

 

المخترعون ومتعهدو الاختراع:

بالتأكيد فإننا نثق بالمخترعين والمصنعين، وهناك أمثلة كثيرة على مؤسسات تهتم بعناية بحماية الإنسان من أي أضرار ناشئة عن التكنولوجيا، ولكن في مجال الاختراع والتصنيع هناك منتفعون وساعون للشهرة يتصرفون بطرق غير أخلاقية تضر بالأفراد والمؤسسات.

 

أجهزة التنظيم:

عادة ما يثق الشعب بالسياسيين وصانعي القرار لحماية العامة من أي ضرر، ولكنهم على الرغم من ذلك لا يملكون العلم الكافي للحكم على الموضوعات التكنولوجية، أو مناقشة القضايا المتعلقة بها.

 

العامة:

حتى وإن فكرنا في أخذ رأي العامة في مثل هذه الموضوعات عن طريق اتباع نظام ديموقراطي يتيح للجميع المشاركة، فستعترضنا نفس المشكلة وهي نقص الكفاءة العلمية للحكم على إحدى الموضوعات الأخلاقية التكنولوجية.

 

مؤسسات خارجية:

في النهاية، علينا أن نوكل مهمة اتخاذ القرارات الأخلاقية التكنولوجية لمؤسسات خارجية، مُكوَّنة من أعضاء متخصصين في مثل هذا النوع من القضايا، ويبدو هذا الحل أكثر اتزانًا وموضوعية من سابقيه، ولكن السؤال الذي يجب طرحه: من الذي سيقرر المسؤول عن هذه المؤسسات؟

ويتضح جليًا من خلال ما تم عرضه أن كل الطرق السابقة بها نقاط ضعف تؤثر على جودة قراراتها وفاعليتها، ومن أجل الحصول على أفضل قرار -بغض النظر عن متخذه- يجب أولًا كشف المعلومات التكنولوجية للعامة بشكل أكبر، وإبقاؤهم على اطلاع بكل ما هو جديد فيما يخص التكنولوجيا، ولتحقيق ذلك علينا اتباع الثلاث طرق الآتية:

(1) استيعاب العواقب:

أولًا، علينا العمل بجهد أكبر لمعرفة العواقب المحتملة لكل تقدم أو قرار تكنولوجي، فالسجائر -على سبيل المثال- كانت تُدخَّن لعقود دون معرفة أضرارها الجسيمة على الصحة، ونحن لا نريد تجاهل مثل هذه الأمور التي ستؤثر بشكل مباشر على حياتنا مستقبلًا.

 

(2) إعلام العامة:

إن الحكمة ليست في جمع المعلومات فقط، بل في إيصال هذه المعلومات للعامة، ليكونوا على دراية بكل ما سيطال جوانب حياتهم المختلفة، وكذلك لاتخاذ قرارات جماعية عند الضرورة، مثل المطالبة بإجراء تغييرات قانونية، ويُعتبَر معهد مستقبل الحياة (Future of Life Institute) مثالا على ذلك، فقد تأسس؛ لتعزيز ودعم تعليم العامة في مجال أمن الذكاء الاصطناعي والتأثير المحتمل للأسلحة المتطورة تكنولوجيا.

 

(3) تخصيص الموارد:

على الشركات كذلك أن تخصص مصادر داخلية وخارجية لدعم فهم التكنولوجيا، فمشروع “Google” الخاص بالذكاء الاصطناعي يحوي لجنة مختصة للحفاظ على العمل بشكل أخلاقي قدر الإمكان، ويجب أن تكون لجان الأخلاقيات لكافة الشركات التكنولوجية، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فإنه على الشركات العمل على تشكيل منظمات محايدة تابعة لجهات خارجية تهدف إلى اكتشاف المزيد حول كيفية استخدام منتجاتها، وإبقاء الأمور في حالة توازن دقيق.

ليس بإمكان فرد واحد أو جماعة واحدة اتخاذ مثل هذه القرارات، بل يجب التكاتف سويًا لتقرير الأمور التي تخصنا وتمسنا جميعا.

المصدر

 

كتابة: سمية عبدالقوي

مراجعة: علياء هاشم

تصميم: عبدالرحمن سعد

تحرير: إسلام حمدي

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى