علم النفس

لماذا لا تفعل ما تريد؟

الجميع لديه رغباته وميوله الخاصة، فمنا من يريد أن يتعلم عزف آلةٍ ما لينضم لفرقة موسيقية، ومنا من يريد أن يترك وظيفته أو شريكه ليجد الأفضل، ومنا من يريد أن يُصبح أكثر رزانةً ليحترمه الناس إلخ. فالسؤال إذن ما الذي يجعلك بعيدًا دائمًا عما تريده؟ ما سبب الفجوة بين ما تريد وما تفعل؟

هناك ثمان أسباب هي ما تجعلُك في مَعزلٍ عما تريده بالفعل، وهناك أيضًا ثمان طرق للتخلُّص منها:

١-الخَلط بين الفعل والتحقيق أو الإنجاز.

بمعنى أنك ربما تتعلم العزف وتترك الشركة أو الشريك، وهذا هو الفعل وهو جزء يمكنك التحكم فيه إن أردت، أما تحقيق أو إنجاز ما تريد ربما لم يحدث بعد. فبالرغم من تعلُّمك العزف لم تنضم لأي فرقةٍ، ورغم تركك للوظيفة لم تجد الأفضل؛ ذلك لأن التحقيق يتضمّن شيئًا من الحظ والفُرَص، وهو ما لا يمكنك التحكُّم فيه ولا فعله. لذلك ركز على الفعل دائمًا واجعله هو نهاية سعيك ولا تتوقع نتيجةً معينةً حتى لا تكفَّ عن الحركة والسعي.

 

٢- الخلط بين ما تريد و ما يجب. (الواجب والمراد)

يجب عليك تعلم العزف أو ترك الوظيفة أو ترك الشريك، هذا ما يجب، لكن هل حقًا هذا ما تريد؟
الواجب أو ما يجب فعله دائمًا يكون ثقيل أو عنيف، لكن المُراد غالبًا ما يكون رد فعل طبيعي وتلقائي. الواجبات غالبًا ما يسودُها التناقض والإحساس بالذنب، لكن الاحتياجات أو الرغبات عادةً لا تكون كذلك فهي أكثر صلابةٍ. اذهب لما تريد هو أكثر استمرارية وثباتًا.
ولتجعل نفسك بعيدًا عن التخبُّط. اهدأ قبل اتخاذ أي قرارٍ و سَل نفسك: “هل هذا ما أريده فعلًا أم هذا ما أعتقد أنه يجب عليّ فعله؟” وأحيانًا قد يختلط عليك الأمر ويصعب التمييز بين ما تريده وما يجب، حينها اذهب لقيمك العملية والحقيقية فهي نفسك وذاتك الأصلية وحينها ستجد الإجابة القاطعة.

 

٣-خلط المهارات والعواطف.

أي شيءٍ جديد تود تعلُّمه يحتاج منك مهارةً معينةً. وتَعلَّم انك ربما تحتاج لشخصٍ ما يساعدك على تطوير هذه المهارة، لكن تواصُلك مع هذا الشخص وتكوين علاقة هو أيضًا يحتاج لمهارة. لا ترفض أو تقلق من رغباتك أو تشعر بالحرج تجاه ما تريد فعله أو تعلُّمَه. الأمر أشبه بأول مرةٍ تُحاول فيها ركوب دراجة، بالطبع كان الأمر غير مألوفٍ وربما أَشعرك بالحرج، لكنه دائمًا أمرٌ قابلٌ للتدريب والتجربة وبالتالي قابلُ للتعلُّم. كذلك هي أي مهارة جديدة تود اكتسابها، فلا تنزعج من العواطف التي تُسيطر عليك في بداية تعلُّمك وتخلطها بالمهارة نفسها فتجزم أنه ما كان هناك داعٍ لتعلمها.

 

٤- الافتقار للموارد

ربما لا تمتلك المال الكافي لتعلم العزف، ربما لا تمتلك البديل عن شريكك أو وظيفتك الحالية إن تركتها، فعليك هنا أن تفعل شيء لتحدِث تغيير ما في ما لديك وما تمتلكه. يمكنك أن تبدأ في ادخار المال كي تستطيع دفع تكلفة دروس تعلم العزف. يمكنك أن تفكِّر في فعل مجهودٍ جديدٍ لإحداث تغيبر ملموس في علاقتك بشريكك أو في تغيير في وظيفتك الحالية، الأمر هنا لا يتعلَّق بتخليك أو تركك لوظيفتك من عدمه، كلُ ما في الأمر هو أن تحافظ على المسير بالتزامن مع بعض السلوكيات والعادات التي يُمكن أن تحدث التغيير المطلوب عوضًا عن خيارات أخرى ليست بالإمكان.

 

٥- القلق

يمكن أن يتّخذ القلق أشكالًا متعددةً كشعورك بالقهر أو قلة الحيلة، قلقك تجاه إيجاد الشخص المناسب الذي سيساعدك في تعلُّم ما تريد أو الحصول عليه، قلقك تجاه كيفية وطريقة تركك لوظيفتك وشريكك، أو حتى قلقٌ من كيفية تطبيق وترجمة الجدية والرزانة في أفعالك وحديثك إلخ. أو ربما تقلق من ردود أفعال أصدقائك تجاه ما تريد فعله فتتخيل أنهم سيسخرون من عزفك، أو أن شريكك لن يكترث برحيلك، أو تخشى أن تكون وظيفتك الجديدة لا تختلف في شيء عن الوظيفة التي تركتها.
المشكلة الحقيقية هنا هي أن قلقك وخوفك يجعلك مكتوفًا وعاجزًا عن اتخاذ أي قرارٍ، ولكن هذه هي اللحظة التي يجب أن تتوقف فيها لتهدأ وتتمعّن في الأمر بعقلانية، أصدقاء ساخرين / شريك مدمر/ لا وظيفة/ تأمل كل هذا وانظر إن كنت تستطيع أن تنهض وتتعامل معه وتجعله تحت سيطرتك ثم قرر بعد ذلك. لا تدع قلقك ومخاوفك تحول بينك وبين ما تريد، جِد الطريقة التي تهدئ بها تلك المخاوف، اطردها من رأسك وتحرّك.

 

٦-الازداوجية (الحيرة)

يقول البعض: “أنا أعلم ما لا أريد فعله، لكن ليس لدي أيُّ فكرةٍ واضحةٍ عما أريده بالضبط”. هنا تكون في منطقةٍ رخوةٍ وغير واضحة، لذلك ربما تفعل ما بوسعك لتميّز بين ما يجب وما تريد، وتجتهد في دفع القلق عن رأسك، و لكن تظل أيضًا في حالة من “اللاقرار”. الحل هنا في أمرين: الأول أنك في حاجةٍ لمزيد من المعلومات عن ما تريده ‘تكلفته ومتطلباته وخصائصه-، سيساعدك ذلك في معرفة رغبتك بشكل واضح. الأمر الآخر هو تقوية ردود أفعالك الشجاعة والتلقائية عامةً؛ على سبيل المثال ربما تباغتك الرغبة في تناول البيتزا أو مهاتفة صديق قديم، افعل ذلك فورًا، الأمر لا يتعلق بالبيتزا أو صديقك القديم لكنه في تصرفك الحاسم. بممارسة هذه التصرف أنت تقوّي ثقتك في رغباتك وردود أفعالك الشجاعة بالتالي تصبح أكثر شجاعة.

 

٧- إانتقاد الذات (السعي للكمال)

أحيانًا لا تفعل لإنك إذا فعلت مُضطرٌ أن تفعل الصواب؛ هذا يتمثل في ألا تُخطأ وتحقق ما تأمله، وألا يكون لديك ما تندم عليه، هذا يجعلك دائمًا تتوقع من نفسك المثالية والكمال. تحتاج لأن تفعل الأشياء بشكلٍ كاملٍ أو لا تفعلها مطلقًا، وهذه طريقة سيئة في إدارة حياتك.

ابدأ أولًا بألا تُخلط بين الفعل والتحقيق، تجاهل صوت الكمال والمثالية والانتقاد. ربما تفعل ما تريد ثم تنقلب الأمور أو تأتي النتائج عكسية غض النظر عن ذلك ولا تتوقف كثيرًا متأسفًا، اخبر نفسك أن ما فعلته جعلك تشعر بشجاعة وفخر، وهو أيضًا مجرد حلقة في سلسلة أحداث لا يمكنك التحكم فيها بشكلٍ دائم.
وعليك أن تدرك أن انتقادك لنفسك هو أيضًا مشكلة تزيدك مشقة، فتقبّل ارتكابك للأخطاء وأدرك أنه لا بأس بأن تُغيّر تفكيرك إذا أدركت خطأك، فهذا جزء أساسي من كونك بشر.

 

٨- التشاؤم

هو ما يجعلك تتنحى عن الفعل قبل البدء فيه، هو ألا تريد لإن إرادتك لن تتحقق بأي حالٍ، وترى ستحالة تحقيق ما تريد وانعدام جدوته. هذه الطريقة في التفكير ربما تشير لاكتئاب وهنا ربما تحتاج لمساعدةٍ وتدخلٍ مباشرٍ وربما هو خلط بين الفعل والتحقيق، الرغبات والواجبات. توقف و ارجع خطوة للخلف وانظر للصورة الكلية والعامة لحياتك وما يمنعك من تحقيق ما تريد. حاول أن تجد المدخل الأكبر، العواطف والمهارات التي يمكنها أن تجعلك تمضي قُدمًا نحو الحياة والسعي لتحقيق السعادة.

حان وقت السعى؟

المصدر

 

كتابة: محمود علام

تصميم: أمنية عبدالفتّاح

تحرير: نهى عمّار

اظهر المزيد

آيات أحمد

كاتبة بقسم علم النفس والفلسفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى