التعوّد “Habituation”
قد يطرأ علينا سؤال، أحيانًا نود الابتعاد عن الأصدقاء الذين بالفعل نحبهم ونظن حينها أن البعد ولو قليلا هو الحل الأمثل، أو أن يتغير ما بداخلنا من حب تجاه بعض الأشخاص كلما اقتربنا منهم أكثر، فما السبب حول اشتياقنا لمن بَعُد عنا رغم أن بوجوده لن نشتاق له مثل اشتياقنا الآن؟
بدأت القصة عندما رأى كريم أميرة في الجامعة، ود لو أنه يتعرف عليها وتم له ما أراد، بل وأصبحت بينهم علاقة صداقة قوية. في بداية صداقتهما، كان كريم شغوفًا جدًا بصديقته الجديدة وظل يهاتفها بشكل يومي، ويود أن يقضي معها وقتًا أطول، وبالنسبة لأميرة فقد تعلقت بصديقها بشكل أكبر مما مضى، وقضوا الكثير من الوقت معا وكان تواصلهما بشكل مستمر. وبدون مقدمات بدأ كريم يفقد شغفه تجاه صديقته أميرة، وبدأ يشعر بعدم رغبته في القرب منها كما كانوا، رغم أنها هي نفس الفتاة التي أحبها ولم يتغير فيها شيء عما سبق!
ما حدث مع كريم هو ما يُسمَّى “Habituation”!
الـHabituation (التعود): ظاهرة نفسية جسدية تحدث لأي كائن حي عندما يتعرّض لنفس مقدار الإثارة “Stimuluss” لفترة زمنية طويلة، ومع الوقت رد فعل هذا الكائن على هذه الإثارة يُفقَد وتتحول هذه الإثارة لعديمة الفائدة، وببساطة تعوّد عليها. لكن كيف يكون التعود مع الحب، أهناك تعود في الحب؟ الحقيقة أن الحب ليس فيه تعود، إنما الاحتياج يكون فيه.
الدكتور “Kent Berridge” يشرح أن هناك فرقًا مهمًا بين نظامين مختلفين في النفس البشرية وهما: الاحتياج “wanting” وهو يعتمد على هرمون “الدوبامين”، ونظام الإعجاب “liking” وهو يعتمد على هرمونات أخرى تُسمَّى الـ”opoids”، عندما احتاج كريم أن يكون مع صديقته أميرة كان النظامان يعملان: الاحتياج والإعجاب، وخصوصًا نظام الاحتياج الذي كان يقوم بعمل شيء اسمه الـ”Anticipatory Joy”، وعندما بدأ كريم رؤية أميرة باستمرار الـ”Anticipatory Joy” فُقِدت وحل مكانها التعوّد “Habituation”؛ فهو لا يكرهها أو يفكر في تركها، إنما هو ليس في احتياج لها كما كان، فالآن الإعجاب “liking” فقط يعمل.
لذلك نرى الكثير من الأشخاص يَدَّعون عدم اهتمامهم بأحبائهم، فيَحدُث شيء على النقيض من الـ”Habituation” يُسمَّى “الـ sensitivity” وهو أن الإثارة لا تقوم برد فعلها الطبيعي وفقط، لا بل يكون مفعولها أقوى بسبب ندرتها؛ لذلك أميرة لن ترد على كريم، فإن حدث وردت عليه سيكون رد فعل ذلك قويًا عند كريم.
فأحيانًا بُعْد الأصدقاء والمحبين عن بعضهم لفترة من الوقت، يقوي علاقتهم أكثر مما قبل، الـ Less is more” effect”. لكن أحيانًا ادعاء عدم الاهتمام بمن نحب -وخصوصًا إن زاد عن الحد- يعطي نتائج غير مرجوة، كأن يبتعدوا بشكل كلي عنا، فليس المطلوب هو ادعاء عدم الاهتمام أو التعالي إنما المطلوب الذكاء في تحديد المسافات؛ فتحديد المسافات بين الأصدقاء أو المحبين عامل مهم جدًا في نجاح هذه العلاقة.
فلا بد أن نتيح فرصة للطرف الآخر أن يشعر بغيابنا؛ حتى يدرك فرق وجودنا. وببساطة، القرب الشديد لأي شخص نحبه ليس شيئًا جيدًا إذا أردنا الحفاظ على حبنا له؛ لأن أخطر تهديد لأي علاقة صداقة أو حب هو الـ”Habituation”.