تأثير الإجماع المزيف
لو هاتَفك صديقك وطلب منك أن تشتري له بعض الحلوى أو الطعام دون أن يحدد لك نوع تلك الحلوى، فأنت غالبًا ستشتري له النوع الذي تحبه وتفضله أنت.
فلماذا يعتقد كلٌّ منا أن الفيلم، أو الكاتب، أو المرشَح، أو اللاعب، أو الطعام المفضل له يكون مفضلًا بالنسبة لكل من يعرفهم، وكلٌّ منا يعتقد أن هناك إجماع على أفضلية وأحقية ما يفضله، فما تلك المكانة التي نتوهمها؟
يمكنك الاعتداد بأنك أنت وصاحبك متشابهون في أشياء كثيرة ومتشابهون في التفكير أيضًا، وذلك هو السبب الذي جعلك تشتري له بناءًا على رغبتك أنت، لكن الحقيقة أن ذلك ليس هو السبب الحقيقي الذي دفعك لشراء ما تفضله أنت، والسبب الحقيقي هو تحيزك واعتقادك أنه طالما أعجبك ذلك النوع فهذا يعني أنه سيعجب صديقك أيضًا، ولأنه لا يمكنك شراء نوع لا تحبه ولم تجربه من قبل، فمن وجهة نظرك أن النوع المفضل لك سيكون هو الأفضل بالنسبة لصديقك أيضًا وبالتأكيد هو الأفضل بالنسبة لأغلب الناس.
ذلك ما يسمى بـ”الإجماع المزيف”، لأنك تخيلت أنه يوجد إجماع على جودة وجمال الشيء الذي تفضله، فبالتالي انحزت له أو فضلته لصديقك بناءًا على هذا الاعتقاد.
لكن ما المشكلة في ذلك؟ ربما يكون ذلك أعجب صديقي أيضًا!
المشكلة أن الإجماع المزيف يحصل دائمًا في مواقفنا، ومعتقداتنا، وآرائنا، وليس في المأكل أو الملبس فقط، والناس دائمًا لديها ميل وتحيز واضح لمعتقداتها ومؤمنة بإجماع واتفاق عدد كبير جدًا من الناس على نفس الإعتقاد، أو الرأي المؤمنين به.
وقد يصل الأمر لدرجة أنك حتى لو قدمت أي أدلة تثبت عدم وجود إجماع فعلي أو واقعي على الرأي الخاص بهم، سيتهموا المختلفين معهم أنهم أقل فى الذوق، والفهم، والوعي، والتفكير، وينتج عن هذا الاعتقاد أو الوهم صراعات كثيرة واختلافات بين أفراد المجموعة، أو الأسرة، أو المجتمع الواحد، بالإضافة إلى أن الإجماع له تأثيرات أعمق وأبعد من الخلافات الشخصية والسياسية وغيرها، فهو يؤثر على مصلحة الشركات، والمتاجر، والمناطق السياحية، والمشاهير، وربما الاقتصاد ككل.
ففي عصرنا هذا والذي يُطلق عليه الفلاسفة عصر “ما بعد بعد الحداثة” قد سهلت التكنولوجيا التواصل وتبادل الآراء، والخبرات، والمعرفة، وقد انتشرت فكرة التقييم أوالمراجعة على مواقع التواصل الاجتماعى من قِبَل مشاهير تلك المواقع، فأصبح هناك صفحات ينشر أصحابها رأيهم وتقييمهم الشخصي للمحلات، والمتاجر، والفنادق التي تعاملوا معها، والانتشار السريع لرأي أو مراجعة ما كفيلٌ بتهديد سمعة ومستقبل المكان في غضون أيام قلائل.
هذه هي خطورة الإجماع المزيف، وحتى إن كان هناك إجماع غير مزيف ولكنه سلبي تجاه شخص ما أو فكرة ما، فهو يؤثر على هذا الشخص وعلى ثقته بنفسه، لذلك وللتخلص من أضرار الإجماع المزيف أو السلبي الغير مزيف عليك بتعريف ذاتك جيدًا أمام نفسك، فإن عرفت ذاتك الحقيقية لن تنشغل، أو تهتم لما يعتقده الأخرون عنك حتى ولو كان العالم بأسره.
وعليك أيضًا أن تخطو بعيدًا عن مواقع التواصل والأفراد والمجتمعات وكل ما يجعلك تنتظر تقييم أو تفاعل ما لتنال استحسان الأغلبية، فقد لا يحدث ذلك فتشعر بإحباط أو عدم تقدير لذاتك، لذلك اعرف من أنت وماذا تريد، ولا تبال بما يُعتقد أو يقال عنك، وكوّن علاقات أقوى على أرض الواقع، واهتم بتنمية وعيك بنفسك ومهاراتك الذاتية.
الخلاصة: أن التحيز طبيعة بشرية لن يمكن تغيرها لكن يمكن ضبطها، أو التحكم فيها، والإجماع قد يهدم أكثر مما يبني لذلك لا تنساق وراء الأغلبية دائمًا وتمهَّل لتُحدد اتجاهك وتترك بصمتك الخاصة.
كتابة: آيات أحمد
تصميم: محمد بركات
تحرير: علاءالدين