يستطيع غاز الهيليوم الخامل أن يُكوِّن مركبات كيميائية!
من أبرز عناصر الجدول الدوري، عائلة الغازات النبيلة، والتي تضم عنصر الهيليوم المعروف بخموله الكيميائي التام؛ أي أنه لا يرتبط بذرات العناصر الأخرى، لكن ربما نعيد النظر في هذه الصفة، فقد تفاجأ الكيميائيون بقدرة الهيليوم على تكوين مركبات كيميائية، وذلك عندما تم إنتاج بللورات تتكون من ذرات الصوديوم والهيليوم، وهنا عجز العلماء عن تقديم تفسير لهذه الظاهرة الغريبة، لكن تمكن فريق جديد من الباحثين من إعطاء تفسير، وهو أن الهيليوم قد تمكن من الاتحاد مع ذرات عناصر لكن دون تكوين روابط كيميائية، أي بدون تبادل أو تقسيم الإلكترونات، وذلك يَحدُث عندما يقوم الهيليوم بمنع ذراته المشحونة بشحنة موجبة من التنافر مع الذرات الموجبة للعنصر الآخر، وكأنه يقوم بعمل حاجز بينهما.
وليس من الغريب أن تكون المركبات مدهشة للغاية، حيث أن العلماء كانوا يعتقدون أن الهيليوم لن يتحد مع ذرات أخرى. هذا لأن ذرة الهيليوم تكره التخلي عن إليكترونيها اللذان يملآن تمامًا غلافها الإليكتروني الوحيد. وتحتوي كل ذرة على مثل هذه الأغلفة الإليكترونية، وكل غلاف يحتوي على أعداد محددة من الإليكترونات التي تحمل شحنة سالبة ويدورون حول النواة. وتفضل الذرات أن تكون أغلفتها الإليكترونية ممتلئة تمامًا، وعندما تترابط مع ذرات أخرى يمكنها أن تأخذ أو تعطي إليكترونًا إضافيًا أو اثنين لملء الغلاف الإلكتروني.
وتُسمَّى العناصر التي تكتمل أغلفتها بالإليكترونات بالغازات النبيلة، ويُعتبَر الهيليوم الأصغر منها، والأكثر خمولًا. ثم تفاجأوا عندما وضعوا الصوديوم والهيليوم معًا وضغطوا عليهم، يمكن للصوديوم أن يتفاعل فعلًا مع الهيليوم ويشكل مركبات مستقرة. في البداية اعتقد بعض العلماء أن الهليوم قد يشارك الإليكترونات بعد كل شيء، واقترح فريق آخر تفسيرًا بديلا: أن الهليوم لا يعطي أو يتلقى أي إلكترونات، لكنه يجمع بطريقة ما مع الصوديوم على أي حال.
يمكن للضغط العالي سحق مجموعة من ذرات الصوديوم لدرجة أن الإليكترون الإضافي في كل ذرة يتعرض لضغط، مما يحول جميع الذرات إلى أيونات مشحونة شحنة موجبة، ثم يَحدُث تنافر بين الآيونات مع بعضها.
ويعتقد الباحثون أنه إذا وُضِعت ذرات الهليوم بين أيونات الصوديوم، فإن المسافة بين الشحنات الموجبة ستزداد وستقل طاقة التنافر، مما يؤدي إلى استقرار المادة. فهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي لا يُوجَد فيها رابطة كيميائية، ومع ذلك يمكنك تكوين مركب ثابت.
ثم قام الباحثون بإجراء حسابات حاسوبية شاملة باستخدام قوانين ميكانيكا الكم التي تحكم كل ذرة، ووجدوا أن هذه المركبات يجب أن تعمل بالفعل، وكان من المدهش أن تؤيد الحسابات هذه الفكرة، مما يفتح المجال للتنبؤ بمركبات جديدة لم يتم دراستها من قبل، ويأمل العلماء أن يتم إنشاء مركبات جديدة، والتي تتكون من الهيليوم مع فلوريد الماغنيسيوم وفلوريد الكالسيوم.
وهذا الاكتشاف قد يجعلنا نعيد النظر في فكرة أن العناصر الخاملة لا يمكن أن تكون مركبات، فذلك الهيليوم الأكثر خمولًا من كل شيء، ليس في الواقع خامل كما كنا نظن. ويمكن أن يشكل في الواقع مركبات مستقرة. كما أن وجود هذه العناصر في أعماق كوكبنا بين الصخور أمرا ليس بالصعب، فقد كان العلماء يعتقدون أن الهيليوم الذي يفتقر إلى وسيلة للترابط مع عناصر أخرى، لا يمكن أن يُحبَس داخل صخور الأرض.
ويرغب الكيميائيون في إيجاد قواعد أكثر عمومية للتنبؤ بمتى يمكن أن تنشأ مثل هذه الجزيئات غير العادية، لأن ظروف الضغط العالي لا تنطبق على العديد من قوانين الكيمياء الطبيعية.
ويقول “ريتشارد درونزكوسكي” (Richard Dronskowski) من جامعة (RWTH Aachen) في ألمانيا، وهو متعاون في الفريق الذي اكتشف تركيبة الصوديوم والهليوم: “هذا نوع غريب من الترابط الكيميائي”، “إذا فكرت في الأمر لبعض الوقت، فكل شيء سيكون معقولًا تمامًا ولكنك لا تتوقعه في البداية أنها رائعة”.
كتابة: آلاء عمارة
مراجعة: أحمد علاء
تصميم: عبدو سعد
تحرير: إسلام حمدى