البيئة والطاقة

صلاة تشيرنوبل

في يوم السادس والعشرين من أبريل عام 1986م، في تمام الساعة الواحدة و23 دقيقة و58 ثانية صباحًا، إذا بانفجار وأصوات تفزع النائم والمستيقظ، وإذا بالسماء لون قرمزي مذهل، إنه نتيجة للإنفجار! والناس تهرع، وسيارات الإطفاء تسير بسرعة لهناك، لإطفاء أكبر كارثة على الأرض، إنه انفجار محطة تشيرنوبل النووية!

المحاكمة

كان في قفص الاتهام 6 أشخاص، مدير المحطة فيكتور بريوخانوف، كبير المهندسين نيقولاى فومين، نائب كبير المهندسين أناتولى دياتلوف، يوري لاوشكين مفتش الرقابة النووية في الاتحاد السوفيتي، رئيس الوردية بوريس روغو جكين، رئيس قسم المفاعل ألكسندر كوفالينكو. وحكمت المحكمة بالسجن عشر سنوات لكل من فيكتور بريوخانوف، نيقولاي فومين، أناتولي دياتلوف، وكانت مدة السجن أقل للآخرين، ومات أناتولى دياتلوف، يوري لاوشكين من أثر الإشعاعات، وأصيب كبير المهندسين بالجنون، وخرج فيكتور بريوخانوف من السجن بعد عشر سنوات.

الموقع

تقع محطة تشيرنوبل للطاقة النووية بأوكرانيا “Ukraine”، على بعد حوالي 130 كم شمال كييف “Kiev” بأوكرانيا، و20 كم جنوب الحدود مع بيلاروسيا “Belarus”، وكان يوجد هناك 4 مفاعلات نووية، تم بناء الأول والثاني ما بين عامي 1970م و1977م، وتم الانتهاء من الثالث والرابع عام 1983م، وكان هناك اثنان آخران تحت الإنشاء أثناء الانفجار. وتم بناء بحيرة اصطناعية تبلغ مساحتها حوالي 22 كيلومترًا مربعًا بالجنوب الشرقي من المصنع، لتوفير مياه التبريد للمفاعلات، بجوار نهر بريبيات أحد روافد نهر دنيبر، هذه المنطقة في أوكرانيا توصف بأنها غابات من الطراز البيلاروسي مع كثافة سكانية منخفضة. وكان يبلغ عدد السكان في الأماكن ضمن دائرة نصف قطرها 30 كيلومترًا من محطة توليد الكهرباء بين 115000 و 135000 في وقت وقوع الحادث.

وقت الانفجار

بدأ طاقم العمل لمفاعل تشرنوبيل 4 التحضير لإجراء اختبار لتحديد سرعة دوران التوربينات وتزويد المضخات الرئيسية بالطاقة. تم إجراء هذا الاختبار في تشيرنوبيل في العام السابق، لكن طاقة التوربينات انخفضت بسرعة كبيرة، لذا كان من الضروري اختبار تصاميم جديدة لمنظم الجهد، ثم حدث عطل في آليات الإغلاق التلقائي، مما جعل المفاعل في حالة غير مستقرة، إذ تفاعل الوقود الساخن جدًا مع ماء التبريد مما أدى إلى إنتاج بخار الماء بشكل سريع وزيادة الضغط.

وتسبب الضغط الزائد في فصل لوحة غطاء المفاعل، مما أدى إلى تمزق قنوات الوقود والتشويش على كل قضبان التحكم، ثم تولد البخار المكثف في جميع أنحاء النواة بأكملها مما تسبب في انفجار بخار وإطلاق منتجات الانشطار في الغلاف الجوي.

بعد حوالي ثانيتين إلى ثلاث ثوان، ألقى انفجار ثانٍ شظايا من قنوات الوقود والجرافيت الساخن. هناك بعض الخلافات بين الخبراء حول طبيعة هذا الانفجار الثاني، ولكن من المحتمل أن يكون سبب إنتاج الهيدروجين من تفاعلات بخار الزركونيوم. وأصبح الوقود ساطعًا وبدأ عددًا من الحرائق، مما تسبب في إطلاق النشاط الإشعاعي الرئيسي في البيئة، وتُوفي اثنان من العمال نتيجة لهذه الانفجارات.

سكان المناطق المحيطة

تأذى العديد من سكان المناطق المحيطة من هذه الكارثة، وصدر أمر من الحكومة بإخلاء هذه المناطق المحيطة بالمفاعل، فكمية الإشعاع بهذه المناطق كبيرة بشكل يدمر خلايا أى كائن، وكان من المثير للشفقة، هو تعرض هؤلاء السكان للنبذ من قبل المجتمع، واقترنت هويتهم تشيرنوبل، فهناك رجال تشيرنوبل، وأطفال تشيرنوبل، ونساء تشيرنوبل، وتجنبوهم لما قد يحملونه من الإشعاعات.

وكذلك الوضع بالنسبة للطعام والشراب من أراضي تشيرنوبل، لم يقبل أحد على شرائها في الأسواق، وكانت تباع سلعهم من دون علم المشتري بأنها من تشيرنوبل، والطريف فى الأمر أنه كان هناك عجوز يبيع ويقول “تفاح تشيرنوبل” فتعجب أحدهم وقال له “هكذا لن يشتري أحد منك” فرد عليه العجوز قائلًا “وما يدريك فقد يحتاجه أحدهم للتخلص من مديره”! ومن أكثر ما يؤثر على نفسية الطفل، عندما يبتعد عنه زملائه بالمدرسة بحجة أنه “طفل تشيرنوبل”.

وهؤلاء كبار السن، الذين يصعب عليهم ترك المكان الذي عاشوا فيه عمرهم بأكمله، فهناك من يصمم على البقاء، وهناك من يرحل، ولا تتعجب إذا وجدت قرية بأكلمها لا يوجد فيها إلا إنسان واحد عجوز، وكان لا يسمح لأهل البلاد المحيطة بالمفاعل والتي تم إخلاؤها الذهاب لهناك، إلا في أوقات محددة، ليصلوا على موتاهم.

ولم يتأذى أحد من هذه الكارثة مثلما تأذى رجال الإطفاء الذين ذهبوا لإطفاء الحريق في ليلة الانفجار، وتشبعت أجسامهم بجرعات هائلة من الإشعاع، وتم نقلهم لموسكو للعلاج، ولكن لم يصمدوا كثيرًا وانتقلوا للعالم الآخر، وكل من تطوع في إخماد هذه الكارثة لم يسلم من أذاها، فهناك من طمع في المال وذهب للتطوع من أجله، وهناك من ذهب لإيفاء الوطن حقه، وهناك من ذهب مجبرًا، وكان مصيرهم إما الموت أو التشوه.

وفي هذه الفترة قد حرم على النساء الولادة، فلم يسلم الأطفال من هذه الإشعاعات، وهم في بطون أمهاتهم، وولدوا بتشوهات أو ولدوا ميتين، وكان إذا ما سمع الطبيب أن هذه المرأة الحامل من تشيرنوبل، نصحها بالإجهاض فورًا، فحتى عام 1993 م، تمت حوالي 200000 عملية إجهاض، كانت الإحصائيات تشير إلى أن معدل الإصابة بالسرطان قد تكون 82 حالة من بين كل 100 ألف مواطن، لكن بعد الانفجار قد زادت إلى 74 ضعفًا، فأصبحت الحالات حوالي 7000 من بين كل 100 ألف. ومازالت آثار تشيرنوبل موجودة حتى الآن، لكن هل سيجد العلم طريقة لإخماد هذه الكارثة، قد يكون!

 

 

المصادر 1 

2- كتاب “صلاة تشيرنوبل”

 

كتابة: آلاء عمارة

تصميم: عمر حسن 

تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى