البيئة والطاقة

الزراعة الكربونية.. الحجر الذي سيضرب عصفورين!

لطالما سمعنا أن المعاملات الزراعية لها تأثير كبير في زيادة حدة التغيرات المناخية، ولكن مزرعة “فافيلا الخضراء – green favela” بإحدى ضواحي البرازيل قد جاءت لتثبت العكس، حيث تسير على نهج الزراعة الكربونية؛ تعيد استخدام كل شيء، وتخضع لأخلاقيات الزراعة المستدامة. وبالتالي، جعلت التربة الزراعية حلًا لمشكلة الأمن الغذائي، وحصنًا منيعًا ضد التغير المناخي.

لماذا يجب أن نلجأ للزراعة الكربونية؟

يقع المزارع تحت رحمة الأسواق العالمية المتقلبة والنزاعات التجارية، بالإضافة إلى كارثة التغير المناخي بما تشمله من جفاف، فيضانات، تغيُّر في درجة الحرارة، وظهور عدد من الآفات والأمراض. هذا ما يظهر أثره واضحًا على ما يجنيه المزارع في نهاية الموسم، وبالتالي يؤثر في مصدر ربحه.

لذا؛ كان من الضروري اللجوء إلى طريقة لزراعة طعامنا بشكل مناسب؛ يعمل على توفير الأمن الغذائي من جِهة، ويحارب التغيرات المناخية من جِهة أخرى. وكان الحل هو الزراعة الكربونية التي تساهم في الاستفادة من التربة قدر الإمكان، بحيث تساعد على تلبية الحاجة المتزايدة من الغذاء، مع المحافظة على أرباح المزارعين، بالإضافة إلى مكافحة التغير المناخي عن طريق الاحتفاظ بالكربون.

التربة… حاوية الكربون

كانت الأعوام القليلة الماضية أكثر الأعوام حرارةً على الإطلاق. وفي مايو 2020، تم تسجيل أعلى نسبة في تاريخ البشرية من ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي.

تُعتبَر التربة بمثابة المنقِذ الذي نحتاجه، حيث تشير الدراسات إلى أن التربة تزيل حوالي %25 من انبعاثات الوقود الأحفوري في العالم كل عام، ويتم ذلك من خلال عزل الكربون، وهي طريقة طبيعية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، مع تأثيرات أقل على الأرض والمياه، واحتياج أقل للطاقة، وبالطبع خفض التكاليف.

سُمِّيَت التربة بـ “حاوية الكربون” لأنها يمكن أن تحتفظ بكمية من الكربون أكبر من الكمية التي تطلقها. وقد قُدِّرَت كمية الكربون في الأراضي الزراعية المتدهورة بما يعادل من 42 – 78 جيجا طن من الكربون، كما أن زيادة كمية الكربون في التربة تجعلها أكثر إنتاجية للمزارعين.

ومن ناحية أخرى، فإن للتربة دورًا مهمًا في الحفاظ على حياة الإنسان، وذلك لقدرتها على الاحتفاظ بالماء وتنقيته، وذلك عن طريق حصول النباتات على هذا الماء لإتمام عملية التمثيل الضوئي، ومن ثَمَّ، إنتاج الأكسجين.

يُطلِق البعض على التربة اسم “التربة الحية”، وذلك لاحتوائها على عدد كبير جدًا من الكائنات الحية الدقيقة. وبذلك يمكن القول أن التربة هي من تستطيع أن تبادلك المنفعة؛ بمعني أنه كلما زاد اهتمامك بالتربة، كلما وفرت لك الطعام، الوقود، الألياف، وبالطبع التخلص من كمية (CO2) الزائدة في الغلاف الجوي.

الممارسات الضرورية لنجاح الزراعة الكربونية الذكية

توجَد بعض التدابير والممارسات التي يجب اتباعها لإدارة الأراضي الزراعية بشكل صحيح، في حالة الزراعة الكربونية الذكية، ومنها:

تقليل الحرث، وزراعة محاصيل الغطاء النباتي، بالإضافة إلى استخدام المواد الزراعية العضوية، مثل الكومبوست -السماد العضوي المصنَّع- الذي يزيد من كمية الكربون المخزَّنة في التربة.

يجب دائمًا أن نضع بعين الاعتبار أن الكربون مكون مهم جدًا للتربة -بجانب دوره في ضمان الأمن الغذائي- لأن طاقته يمكن تسخيرها كمواد عضوية فيها، مما يعمل على زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية، تحسين بنية التربة، تقليل التعرية، تحسين نوعية الأراضي الجوفية والأراضي السطحية، وكل هذا يساهم في تقليل آثار التغيرات المناخية على النظام البيئي بأكمله. وتُعتبَر النباتات والحيوانات المتحلِّلة في التربة من أهم مصادر الكربون.

الحد من إهدار الطعام على مستوى المزرعة؛ فقد ثَبُت أن مخلفات الطعام تُعَد مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث تساهم بنسبة %8 من إجمالي الانبعاثات العالمية، وما لا يقل عن %2.6 من إجمالي انبعاثات الولايات المتحدة. أكثر من %33.7 من كمية المحصول الصالحة للأكل يتم دفنها بدلًا من حصادها، بما يعادل خسارة 200 مليار دولار أمريكي سنويًا على مستوى العالم، بجانب ما يتم فقده بسبب الأمراض المختلفة.

التكنولوجيا، مع أم ضد التغير المناخي؟

مما لا شك فيه أن للتكنولوجيا آثارًا ضارة على البيئة، خاصةً زيادة نسبة الكربون، ولكنها هامة للغاية لفهم ذكاء التربة، وهو قياس وتفسير الخصائص الفيزيائية، الكيميائية، والبيولوجية للتربة. وعدم فهمنا لهذا يُلحِق الضرر بنا في المقام الأول، حيث يساعدنا فهمها على:

1- معرفة مسببات الأمراض الكامنة.

2- قدرة التربة على الاحتفاظ بالعناصر الغذائية المختلفة، والتي من أهمها الكربون.

3- السماح للمزارعين بتشخيص صحة التربة قبل زراعة محاصيلهم، مما يتيح اتخاذ قرارات أقل تكلفة بشأن أنواع الأسمدة، المبيدات الحشرية، أو المعالجات الأخرى التي يجب وضعها في التربة، وكذلك سُبُل الري المناسبة.

يمكن للزراعة أن تقلل -بشكل كبير- من البصمة الكربونية للبشرية، ولكن يجب أن نعتني بأرضنا حتى نتمكن من لعب هذا الدور المحوري في كفاحنا ضد تغير المناخ؛ فالاستثمار في التربة الآن هو استثمار في حياة وصحة الأجيال القادمة.

المصدر

كتابة: آلاء نور الدين
مراجعة: سارة صلاح
تحرير: زياد محمد

اظهر المزيد

آلاء نور الدين مغربي

كاتبة بقسم البيئة والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى