هل وجود الماء يعني وجود الحياة؟
عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الحياة خارج الأرض، يركز العلماء في الغالب على المياه، بينما حديثًا يقترح الباحثون النظر إلى العناصر الحيوية مثل: الفوسفور، والموليبدينوم، حيث يمكن أن يساعدا في الحكم على إمكانيات الحياة خارج الأرض.
عمليًا، هناك حياة أينما وجدت المياه على الأرض، من السحب العالية فوق السطح إلى الطبقة العميقة من القشرة الأرضية، فإن البحث عن الحياة خارج الأرض يركز عادة على العوالم الصالحة للسكن، التي تمتلك درجات حرارة مناسبة لاستضافة المياه السائلة على سطحها.
وقال “آفي لوب”، رئيس قسم الفلك في جامعة هارفارد: “هناك بالطبع مكونات أخرى مطلوبة للحياة كما نعرفها”، على سبيل المثال، العناصر التي تشكل مفتاحًا لوجود الحياة على الأرض، هي النيتروجين، والفوسفور، فهناك حاجة إلى النيتروجين لإنشاء البروتينات، وكل من النيتروجين، والفوسفور هما مكونان رئيسيان للحمض النووي “DNA”و”RNA”، وأشار عدد من الدراسات الحديثة إلى أن زيادة توافر الفوسفور في المحيطات قبل حوالي “635” مليون إلى “800” مليون سنة ربما ساعد في دعم تطور الحيوانات على الأرض.
ولرؤية الأدوار التي قد تلعبها هذه العناصر الحيوية في تطور الحياة خارج الأرض، ركز الباحثون على مدى إمكانية الوصول إليها في عوالم المحيطات التي تكون سائلة تحت أسطحها المجمدة، مثلما هو الحال مع قمر كوكب المشتري “يوروبا”، وقمر كوكب زحل “إنسيلادوس”، وتصر كل من ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية على زيارتها ببعثات مثل “يوروبا كليبر 1”.
على الأرض، يكون مصدر رئيسي للفوسفور في المحيطات، وذلك عن طريق عملية “التجوية”، وهي عبارة عن عملية تفتت وتحلل لبعض أنواع الصخور بمياه الأمطار الحمضية بشكل معتدل.
تتم إزالة الفوسفور بدورها من البحار إلى الأرض، عن طريق النشاط الحراري المائي، ويشير الباحثون إلى أن العمل السابق يشير إلى وجود نشاط حراري مائي على سطح إنسيلادوس ويفترض أن يوروبا كذلك.
يغطي الإشعاع الأتي باستمرار من المشتري سطح أوروبا، ويولِّد جزيئات تُعرف باسم المؤكسِدات، يمكن لهذه المؤكسدات أن تدخل البحار العميقة في أوروبا، حيث يمكن أن تتفاعل مع الكبريتيدات، وتجعل الماء حمضيًا بدرجة عالية، على هذا النحو، قد تمتلك يوروبا الفوسفور الكافي لدعم الحياة، على الرغم من أن المحيطات شديدة الحامضية قد تخنق فرص الحياة، كما قال الباحثون.
في المقابل، اقترح بحث سابق أن المحيطات الجوفية لقمر “إنسيلادوس” قد تكون شديدة القلوية، في الدراسة الجديدة، حسب العلماء أنه إذا كانت محيطات العالم إما متعادلة أو قلوية وتمتلك نشاطًا حراريًا، فيُمكن إزالة الفوسفور تمامًا من عالم المحيط تحت السطحي في وقت قصير جدًا مقارنةً بعمر النظام الشمسي.
واقترح العلماء أيضًا أن آثار المعادن مثل الموليبدينوم، والمنجنيز، والكوبالت، قد تكون ذات أهمية حيوية أيضا، “يلعب الموليبدينوم دورًا حاسمًا في العديد من الإنزيمات، وعلى الأخص في تثبيت النيتروجين”، أي تكسر الروابط الكيميائية القوية التي تحمل ذرات النيتروجين في أزواج في الغلاف الجوي، وتثبيت ذرات النيتروجين الناتجة من تحلل جزيئات عضوية حيوية، قال لينجام “بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الموليبدينوم على تخليق البروتين بالإضافة إلى التمثيل الغذائي والنمو في العديد من الكائنات الحية”، بالإضافة إلى أن، “المنجنيز يلعب دورًا هامًا في سياق توليد الأكسجين عن طريق التمثيل الضوئي في البلاستيدات الخضراء”، “كما يحتوي الكوبالت على مجموعة متنوعة من الأدوار البيولوجية في عملية التمثيل الغذائي، وعلى الأخص، فإنه يشكل مكونًا من فيتامين ب 12”.
هناك طريقة واحدة لمعرفة إذا كانت هناك عوالم أخرى خارج نظامنا الشمسي تمتلك عناصر حيوية، وهي النظر إلى نجومها، الأمر الذي قد يلقي الضوء على تراكيب كواكبها وأقمارها، وقال لينجام “إن وجود عنصر في النجم سيولد طيفًا فريدًا من الألوان المرئية في ضوء النجوم، وبالتالي يمكن أن يزودنا ببعض المعلومات حول قابلية أي كواكب تدور حولها”.
تعود فكرة المنطقة الصالحة للسكن إلى الخمسينات من القرن العشرين، ومنذ ذلك الوقت تعلمنا الكثير، مثل وجود المحيطات تحت السطحية، لذا من المهم تحريك تفكيرنا حول قابلية السكن إلى المياه لعناصر محددة ومواد كيميائية وقال عالم الفيزياء الفلكية آدم فرانك عن هذه الدراسة “قد يكون ذلك ضروريًا للحياة”.
كما حذر عالم الكواكب “جوناثان لونين” في جامعة كورنيل فقال “هذه حسابات تستند إلى افتراضات بسيطة، ويجب أن نتذكر دائمًا أن الكواكب، والأقمار أكثر تعقيدًا مما نتوقع، الحياة كما لا نعلم أنها قد تتبع طرق كيميائية مختلفة عنها على الأرض، والتي ستكون نتيجة أكثر إثارة من العثور على الحياة كما نعرفها”.
كتابة: ملاك فريد
مراجعة: نهاد حمدي
تصميم: عبدالرحمن سعد
تحرير: علاءالدين محمود