الأسبرين – سلاح ذو حدين
يُعد الاسبرين أشهر أنواع المسكنات انتشارًا وأوسعها استخدامًا، الأسبرين هو أحد مضادات الالتهاب الغيرستيرويدية (Non-Steroidal Anti-Inflammatory Drugs ) أو تُعرف اختصارًا بال NSAIDs، ولكن كيف يعمل؟ أو بمعنى أصح كيف يتعرف الدواء على مكان الألم ويقوم بتخفيفه؟ تعال لنقص عليك القصة من البداية:
عند حدوث تلف في أحد الأنسجة تفرز هذة الأنسجة التالفة مواد كيميائية شبيهة بالهرمونات تعرف بالبروستاجلاندينات (prostaglandins)، تقوم بإحداث تورم في مكان التلف، كما أنها تقوم بتضخيم اشارات الألم التي تسير عبر الأعصاب إلى المخ، أي أنها تقوم بزيادة الاحساس بالألم، إذن تستطيع بسهولة أن تستنتج أن التحكم في الألم وتخفيفه يتم عن طريق ايقاف تصنيع البروستاجلاندينات.
أيضا يوجد هرمونان يقومان بدور رئيسي في تصنيع البروستاجلاندينات وهما (cyclooxygenase enzymes 1,2)، أو يُعرفان اختصارًا (Cox-1)(Cox-2)، اذا ما إن تم تثبيط هذة الانزيمات يتوقف تصنيع البروستاجلاندينات، ومن ثم تخفيف الالم، وهذا هو بالضبط ما تقوم به هذه الادوية، حيث تقوم بتثبيط عمل “Cox-1,2” على مستوى الجسم كله – شاملًا بذلك المنطقة التي بها الألم، بصورة مؤقتة بالطبع- ومن ثم تخفيف الألم، توجد بعض الأنواع من الNSAIDs تقوم بتثبيط كلا الهرمونين، منها الأسبرين والإيبوبروفين، كما توجد أنواع أخرى تقوم فقط بتثبيط Cox-2 دون المساس بCox-1، مثل عقار السيلبركس (Celebrex)، ويتفوق الأسبرين على باقي أفراد عائلته في أنه مقاوم لتكوين الجلطات ومن ثم تقليل السكتات الدماغية والازمات القلبية.
يوجد “Cox-1” بصورة طبيعية ودائمة في بعض الانسجة مثل: الكلى حيث يقوم بتحفيز تصنيع البروستاجلاندينات، ومن ثم الحفاظ على صحة الكلى، كما يوجد في المعدة حيث يقوم بحماية الغشاء المخاطي للمعدة، وينظم تصنيع الحمض المعدي، في حين يتم تصنع “Cox-2″ فقط في أوقات الحاجة، كما أنه مسؤول عن حدوث الالتهابات وارتفاع درجة الحرارة، لذلك من المفيد التخلص منه، أي أن البروستاجلاندينات وال”Cox-1” لهما وظائف اخرى مهمة في الجسم، ومن ثم فإن الاستخدام طويل المدى ل “NSAIDs” يؤدي إلى تثبيط مستمر لعمل Cox-1 والذي يظهر في صورة عدة اعراض جانبية مثل:
1- مشاكل في الجهاز الهضمي: مثل قرح المعدي، والمريء، والامعاء الدقيقة، والسبب كما وضحنا سابقا أن أنواع البروستاجلاندينات المسؤولة عن حماية الغشاء المخاطي للمعدة قد توقف عملها بسبب تثبيط “Cox-1″، بالتالي تصبح المعدة معرضة للخطر بفعل انزيمات الهضم، وتكون قابلة لتكوين قرح.
2- ارتفاع ضغط الدم ومشاكل في الكلى: حيث تقلل “NSAIDs” من تدفق الدم إلى الكلى، فيؤدي ذلك إلى تقليل معدل عمل الكلى، وتراكم السوائل في الدم مما يزيد من حجم الدم، وبالتالي يرتفع ضغط الدم تبعا لزيادة حجمه، إذا تم تناول “NSAIDs” بكميات كبيرة على المدى الطويل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تلف دائم في الكلى وفشل كلوي.
3- الحساسية: حيث يمكن أن تحدث نوبات حساسية شديدة، خصوصًا في حالة مرضى الربو، لذلك ينصح الكثير من المتخصصين مرضى الربو بالابتعاد تمامًا عن “NSAIDs”، وخصوصًا إذا كان هناك مشاكل في الجيوب الانفية.
4- بعض المشاكل في الجهاز التناسلي الأنثوي ومعدل التبويض: حيث هناك دراسة أقامها متخصصون من جامعة بغداد في عام 2015، شملت 39 امرأة يعانون من ألم في الظهر، كل امرأة أخذت واحد من 4 مسكنات وهي (Diclofenac ,Naproxen , Etoricoxib ,Placebo)، يُذكر أن “Diclofenac” لا يتم شراءه إلا بوصفة طبية -روشتة طبية- و”Placebo”، لم يتم الموافقة عليه من منظمة الصحة والدواء “FDA” للاستخدام في الولايات المتحدة، قبل البدء في التجربة تم فحص كل امرأة بالموجات فوق الصوتية لقياس حجم المبيضين، كما قاموا بقياس مستوى هرمون البروجستيرون، وهو هرمون أساسي في مرحلة التبويض، كمان أنه يساعد على التصاق تعلق البويضة المخصبة في جدار الرحم، يحتوي كل مبيض على حويصلات، كل حويصلة تنفجر وتخرج منها البويضة -في مرحلة التبويض- واعتقد الباحثون أن “NSAIDs” توقف هذة العملية، تم البدء في التجربة في اليوم العاشر من الدورة الشهرية، حيث تكون الحويصلة قد تكونت، واستمرت التجربة لمدة 10 أيام وبعدها تم فحصهن بالأشعة فوق الصوتية، والنتائج كانت صادمة:
-انخفض معدل التبويض بشدة، في حالة “Diclofenac” انخفض إلى 93%، اما في حالة “Naproxen” و”Etoricoxib” انخفض معدل التبويض إلى75%.
– انخفض مستوى البروجستيرون بشدة.
– حوالي ثلث عدد النساء تكونت لديهن تكيسات بسبب الحويصلات التي بقيت بدون أن تنفجر.
– وعاد نصف عدد النساء في الشهر التالي للإعادة تقييم التبويض لديهن، بعد الاقلاع عن المسكنات عاد معدل التبويض إلي المعدل الطبيعي عند الجميع.
بالرغم من أن هذه النتائج انعكاسية -يمكن العودة للوضع الطبيعي بعدها ليست دائمة- إلا أنها تسلط الضوء على الأثار الجانبية الضارة “NSAIDs”، كما تذكرنا الدراسة بأهمية الوعي الكامل بالأضرار الجانبية للأدوية التي نستخدمها بكثرة.
يذكر أن هذه الدراسة تعتبر أولية، حيث أنها لم تخضع لعملية “استعراض النظراء” -حيث يتم فحص هذة البيانات بواسطة خبراء من الخارج، قبل نشرها في جريدة طبية.
كتابة: ياسمين محمد
مراجعة: نوران جودي
تصميم: محمد خالد
تحرير: سارة أبو زيادة