نشأة الكون
قضية دائمًا ما تشغل حيزًا لا بأس به علميًا، ولعل أشهر النظريات تفسيرًا لنشأة الكون هي نظرية الانفجار العظيم.
تقوم نظرية الانفجار العظيم بناء على ما يسمى نقطة الوحدة أو (Singularity)، وهي النقطة التي بدأ منها الانفجار العظيم للمادة قبل ١٤ مليار سنة ومعها بدأ الزمن.
ما يحدث في تلك النقطة هو تجمع هائل للمادة في حيز صغير جدًا إلى أن تصل كثافتها إلى ما لا نهاية، وتختفي معها قوانين الفيزياء كما نعرفها، ما يؤدي إلى تولد قوة جاذبية تكون كافية لامتصاص أي نوع من الطاقة المجاورة، بما فيها الضوء نفسه، ومن ثم انفجارها. ومن هذا الانفجار نشأ الكون كما نعرفه الآن من مجرات وكواكب تشكل تلك المادة. ولعل أكبر برهان على صحة تلك النظرية هو التباعد المستمر بين المجرات إلى وقتنا الحاضر.
لكن العلماء يحاولون إيجاد تفسيرات أخرى لنشأة الكون غير نظرية الانفجار العظيم، منها ما سموه بالأكوان المتماثلة ()، حيث يفترض أن انفجار المادة من نقطة الوحدة حدث في اتجاهين متعاكسين، وبالتالي نشأة كونين متماثلين في اتجاهين متعاكسين من الزمان و المكان، وعند مراقبة أحد الكونين بالوقوف في الاخر يكون المراقب في حالة مشاهدة للماضي (أو اتجاه الزمن الى السالب إذا قمت برسمه على المستوى الإحداثي).
آخر ما تم افتراضه من قبل بعض علماء الفيزياء هو أن نظريتا الانفجار العظيم و الأكوان المتماثلة ليس بالضرورة أن تفسرا النشأة عن طريق نقطة الوحدة للمادة، حيث صُمم نموذج محاكاة للكون يجمع أكثر من ألف وحدة تم اعتبارها مجرات أو كواكب، ووجدوا أن هناك احتمالًا لكون الانفجار ناشئ من نقطة سموها Janus نسبة إلى إله عند الرومان له وجهان متماثلان، حيث يفترض العلماء بالرجوع إلى نتائج نموذج المحاكاة حدوث تجاذب بين مكونات الكون قديمًا -بناء على قوانين الفيزياء المعروفة- حتى وصولها لتلك النقطة الشبيهة بنقطة الوحدة فتصطدم وتنفجر في اتجاهين متعاكسين مرة أخرى مكونة كونين متماثلين أو أكثر، ويحدث ذلك مرارًا و تكرارًا دون وجود نقطة بداية محددة للكون.
وما يميز تلك النظرية هو عدم كسرها قوانين الفيزياء، وافتراضها أن نقطة الوحدة -أو Janus كما سموها- لم تكن بداية الكون كما نعرفه، بل هي استكمال لأحداث أخرى وربما تحدث إلى الآن في أكوان مختلفة حيث يمكن تفسيرها فيزيائيًا.
لكن ما يعيق النظرية هو تعارضها مع قوانين الديناميكا الحرارية، فباعتبار أن الكون ليس له بداية محددة، إذن لابد للحرارة أن تكون موزعة بالتساوي بين جميع أجزاءه الآن، تمامًا مثلما تنتشر الحرارة بالتساوي عبر الوقت بين أجزاء المواد المختلفة كما نعرفها، وهو ما لم يحدث إلى الآن أو حتى قريبًا كما نلاحظ في كوننا.
بالطبع لن يتوقف الحديث عن نشأة الكون قريبًا، بل ربما نجد نفس تلك المجادلة حدثت أو تحدث في أحد الأكوان المتماثلة الآن وفقًا لتلك النظرية. فأي النظريات تؤيد أنت؟
كتابة: عمر ياسر
مراجعة: عبدالله سمير
تحرير: أحمد عبدالستّار