الطب

جهازك الهضمي هو عقلُك الثاني!

بالإضافة لعقلك المعروف، هل تعلم أنك تمتلك عقلًا آخر؟ لا، ليس قلبُك بل جهازك الهضمي أو جهازك العصبي المعوي، العقل الثاني أو ما يُعرف علميًا بالجهاز العصبي المعوي هو شبكة من حوالي 400 مليون خلية عصبية منتشرة على جدران الأمعاء مع العشرات من النواقل العصبية -تمامًا كالموجودة في المخ- تجري خلالها، وهذا أكبر عدد أعصاب وُجد خارج المخ، بل أكبر من عدد الأعصاب الموجودة في الحبل الشوكي! وقادرٌ تقريبًا على العمل بصورةٍ مستقلةٍ عن الجهاز العصبي المركزي، بالرغم من ذلك فهو غيرُ مشاركٍ بنشاطٍ في الوعي أو اتخاذ القرار؛ فهو لن يساعدك في تحديد ماذا ستتناول على الغداء، إنما وظيفته الرئيسية هي الإدارة والتحكم في أعمال الهضم الفوضوية.

يتصل المخُ بالجهاز العصبي المعوي عن طريق محور بينها، هو عبارة عن مسار يتبادلان فيه الإشارات وتسري فيه النواقل العصبية في كلا الاتجاهين، أو عن طريق إفراز الجهاز الهضمي لهرمونات التوتر وغيرها من الطرق، هذا المحور يُعتقد أنه يشارك في العديد من الوظائف في الجسم مثل تنظيم الأكل، فعقب تناول وجبة ووصول الطعام للمعدة يتم إفراز بعض الهرمونات، ينتج عن عمل تلك الهرمونات إرسالُ إشاراتٍ من المعدة عبر المحور إلى جذع المخ ومنطقة تحت المهاد لخفض الشهية ووقف استهلاك الغذاء، يمكن لتلك الهرمونات أن تصل إلى مستقبلاتها في المخ مباشرة ولكن هناك أدلة قوية تؤكد أن العصب الحائر يلعب دورًا هامًا في الاتصال بينهما؛ فهو بمثابة الطريق السريع الأساسي في هذا المحور, حيث أظهر تحفيز العصب الحائر في فئران التجارب زيادةً كبيرةً في الأكل والعكس عند تثبيطه.

يُعتقد أن المشاكل المعوية تأتي نتيجة مشاكل نفسية مثل القلق، فمثلًا نجد الكثير ممن يعانون متلازمة القولون العصبي يعانون من القلق، ولكن هل يمكن أن يحدث العكس؟ أن يؤثر الجهاز الهضمي على المخ؟
تم متابعة تقريبا 1000 شخص على مدار 12 عامًا، ووُجد أن تقريبًا 50% منهم كانوا يعانون من القلق أولًا ثم أتتهم مشاكل الأمعاء وهذا المعروف، ولكن ال50% الأخرى حدث لهم العكس؛ أي أن أمعائهم مرضت أولًا وتبع ذلك مشاكل في المخ ظهرت على صورة قلق. من المعروف عن مرضى القولون العصبي أنهم يعانون من بعض الالتهابات والتي يُستدل عليها عن طريق وجود كميات مرتفعة من الcytokines -وهي بقايا ناتجة من الالتهابات وهي جزءٌ من الاستجابة المناعية-. ووُجد أن بعض المرضى الذين يعانون من القلق أيضًا لديهم مستويات أعلى من الcytokines، القلق هنا مرتبط تمامًا بالمستويات المرتفعة تلك، وبناءً على المعلومات الجديدة يمكن أن نستنتج أن الالتهابات تلك أطلقت الcytokines مما أدى للإصابة بالقلق وهناك دليلٌ هامٌ يقترح أن الجهاز العصبي المعوي يمكن أيضًا أن يلعب دورًا في العواطف وحالة المخ، فمثلًا 90% من السيروتونين (هرمون السعادة) ونصف كمية الدوبامين يتم إنتاجهم في الأمعاء.

بالتأكيد سمعت عن المقولة الشهيرة أن ميلَنا لأنواعٍ معينةٍ من الطعام هو طريقةٌ يخبرنا بها جسمنا أننا بحاجة لنوعٍ معينٍ من الغذاء، وفكرة أن للجهاز الهضمي عقلًا خاصًا به يدعم ذلك. ولكن لا، إنها مجرد خرافة؛ حيث أثبتت الأبحاث أن المتحكم الأصلي في تفضيلنا لأنواعٍ محددةٍ من الطعام هو البكتيريا التي نحملها في الامعاء، في تجربة تم فيها تعديل فئران التجارب جينيًا بحيث تصبح أكثر عرضةً للسمنة، وُجد أن الفئران ظلت نحيلة عندما تم تربيتها في بيئةٍ معقمةٍ (لا توجد بها أي بكتيريا)، ولكنها تحولت إلى فئران سمينة عندما تم إطعامها فضلات فئران تم تربيتها تقليديًا كما تم ملاحظة أن الفئران التي تربت في بيئة معقمة تميل أكثر للسكريات ولديها مستقبلات للسكريات في أمعائها أكثر من تلك التي ولدت وعاشت في بيئةٍ تقليديةٍ، كما أن الأفراد الذين يفضلون الشوكولاتة لديهم نواتج تكسير غذاء بكتيرية معينة في البول مختلفة عن هؤلاء الذين لا يفضلونها.

تبادل البكتيريا هو طريقٌ جديدٌ لعلاج أمراضٍ كثيرةٍ في الجهاز الهضمي، إما عن طريق النظام الغذائي، توفير البكتيريا النافعة وتثبيط البكتيريا الضارة، عن طريق الprobiotics (كائنات حية دقيقة توفر عند استعمالها فوائد صحية، وهنا لاستعادة بكتيريا الأمعاء) أو بطريقةٍ غريبةٍ إلى حد ما وهي نقل الفضلات من الأشخاص الأصحاء إلى المرضى.

وطبقا للاستنتاجات السابقة ومن منطلق أنه الأسهل والأكثر أمانًا التلاعب في الجهاز الهضمي، فهذا يرجح أن بعض أمراض المخ يمكن علاجها بعلاج الجهاز الهضمي.

المصادر 1 2 3 

 

كتابة: ياسمين محمد

مراجعة: منار أبوالحسن

تصميم: عمر حسن

تحرير: يمنى جودي

اظهر المزيد

ياسمين محمد

عضو بقسم التدريب والتطوير ومسئول قسم علم النفس والفلسفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى